أقلامهم

إسقاط القروض لليوم المليون!

تصدّر وسم إسقاط القروض موقع التواصل الاجتماعي الشهير «تويتر» على مدى الشهر الماضي، خصوصاً بعد إعلان بعض النواب تقديم اقتراح بقانون لإسقاط القروض الشخصية والاستهلاكية عن المواطنين المقترضين، وبعيداً عن الجدل الواسع حول هذا الموضوع، سواء ما يردد حول الشبهات الدستورية التي تشوبه من ناحية عدم تحقيقه للعدالة، أو الطرح الذي ينكر وجود المشكلة، وكذلك الطرح الشعبوي الذي يدغدغ مشاعر المواطنين، علينا – بداية – أن نعترف بوجود المشكلة، فهناك العديد من المقترضين المعسرين والدليل على ذلك وجود أوامر الضبط والإحضار ومنع السفر، التي تطول عشرات الآلاف من المواطنين لأسباب مالية، كذلك أحكام الحبس للمئات وربما الآلاف للسبب نفسه.
إذاً فهناك مشكلة حقيقية – وليست وهمية كما يدعي البعض – وهذه المشكلة تحتاج إلى تحليل دقيق كما تحتاج لحلول جذرية، فرغم ادعاء البعض بأن المشكلة ليست واقعية وأن المقترضين ليسوا سوى مجموعة من المستهترين، إلا أن الأرقام لا تكذب، فحسب بيانات البنك المركزي في نوفمبر الماضي هناك 429 ألف مواطن مقترض، في وقت يبلغ فيه عدد المسجلين في القيود الانتخابية ممن تجاوزوا الحادية والعشرين 536 ألف مواطن، فهل يعقل أن ما نسبته 80 في المئة من المواطنين الراشدين حسب القانون هم مجموعة من المستهترين؟
نعم لا نختلف بأن هناك سلوكيات سلبية وثقافة استهلاكية في مجتمعنا، ولكن لا يمكن أن يتم تعميم تلك السلوكيات السلبية على الجميع، ولا يمكن إلقاء اللوم على المواطن البسيط في حين المتسبب في تلك الأزمة لا يحاسب أبداً، فالمواطن بات يُدفع دفعاً للاقتراض في ظل ارتفاع الأسعار الذي فشلت الحكومة مراراً وتكراراً في السيطرة عليه، كما لا ننسى تردي الخدمات العامة الأساسية كالتعليم والصحة، الأمر الذي يجعل المواطن مضطراً للتضييق على نفسه ودفع آلاف الدنانير للمدارس والجامعات الخاصة بغية الحصول عل تعليم أفضل لأبنائه، والحال نفسه في موضوع العلاج في المستشفيات الخاصة، التي باتت تؤوي خيرة الأطباء الكويتيين الذين لم يعودوا يطيقون العمل في القطاع الحكومي بسبب عدم التقدير وسوء الادارة والفساد المستشري، الذي لم يتمكنوا من مواجهته، كذلك هناك المشكلة الاسكانية التي يعاني منها ما لايقل عن مئة ألف أسرة مضطرة للعيش في شقق أو منازل بالإيجار الذي يثقل كاهل المواطن في بداية حياته الزوجية، كل تلك المشاكل هي ما يدفع أي انسان يريد أن يعيش حياةً كريمة للاقتراض، وبالتأكيد فإن السبب وراء تلك المشاكل ليس المواطن البسيط! فالمواطن البسيط ليس السبب في انعدام الرقابة على الأسعار التي تضخمت بشكل غير طبيعي وما زالت مستمرة في التضخم، فلا ننسى الارتفاع غير المبرر في الاسعار بعد المنحة الأميرية في العام 2011 أو بعد اقرار زيادة بدل غلاء المعيشة للمواطنين، كما أن المواطن البسيط ليس هو السبب في تردي التعليم الحكومي أو القطاع الصحي، وبالأكيد ليس هو المسؤول عن عدم تراكم طلبات الاسكان وارتفاع قيمة الايجار، لذلك لا يمكن أن نلوم المواطن البسيط لمطالبته بإسقاط القروض التي أثقلت كاهله، فهو يرى كيف تُبعثر الأموال العامة يميناً وشمالاً من خلال الترضيات والمناقصات المشبوهة، أو تلك المليارات التي دفعت لانقاذ مجموعة بسيطة من التجار سواء في أزمة المناخ أو المديونيات الصعبة أو أثناء الأزمة الاقتصادية عام 2008، في وقت نجد فيه المجموعة نفسها – التي ترفض إسقاط القروض عن المواطنين – تؤيد وبشدة ذلك الهدر في المال العام لانقاذ قلة قليلة!
في النهاية، الموضوع ليس سهلاً أو بسيطاً، فهناك معضلة تحقيق العدالة بين المواطنين المقترضين وغير المقترضين، كما أظن بأنه لا يمكن حل مشكلة القروض من خلال اسقاطها فقط، فلا يوجد ضمان لعدم عودة الأسباب التي أوجدت المشكلة في حال اسقاط القروض، وبالتالي سنعود لنقطة البداية مجدداً، لذلك فإن هذه المشكلة المركبة والمعقدة تحتاج لقوانين وإجراءات عدة، أهمها معالجة أوضاع المتعثرين والمعسرين، وأكبرها معالجة وضع الحكومة العاجزة عن إدارة الدولة سواء من خلال عدم قدرتها على ضبطها للأسعار أو عجزها عن توفير خدمات أساسية للمواطنين.

dr.hamad.alansari@gmail.com
twitter: @h_alansari