اقتصاد

تجارة الاستيراد مقابل عمولة “القومسيون” ازدهرت في الكويت بدايات القرن الماضي

توسعت تجارة الاستيراد وإعادة التصدير في الكويت أوائل القرن الماضي بعد أن بدأت البواخر من شتى بقاع العالم ترسو قبالة شواطئ الكويت لتزداد بذلك وتتنوع البضائع التي كانت تجلب قبل ذلك بواسطة السفن الشراعية التي تسمى (الأبوام).

وازدهرت أثر ذلك في حقبة العشرينيات والثلاثينيات بصورة كبيرة تجارة الاستيراد والتصدير مقابل عمولة والتي عرفت محليا ب (القومسيون) مما حدا بكثير من الشركات الأوروبية الراغبة في تصدير بضائعها إلى الكويت إلى البحث عن وكلاء محليين ذوي سمعة طيبة وخبرة طويلة بالتجارة.
وعن هذا الموضوع قال الباحث في التراث الكويتي محمد جمال في كتابه (الحرف والمهن والأنشطة التجارية القديمة في الكويت) إن تلك الشركات كانت تتصل بشركات البواخر التجارية -التي كان أغلبها من بريطانيا وتمثلها في الكويت شركة (كريمكنزي) الإنجليزية – للاستفسار منها عن أسماء التجار الذين يمكن تعيينهم وكلاء لها في الكويت فكانت شركات البواخر ترشح وكلاءها المعتمدين في الكويت آنذاك ليصبحوا وكلاء لتلك الشركات التجارية الأجنبية.
وأضاف الباحث جمال أنه في تلك الفترة برز عدد قليل من التجار الكويتيين الذين بدأوا استيراد مختلف أنواع البضائع من أوروبا وبذلك أصبحوا من أكبر تجار الاستيراد من الشركات الأوروبية في ذلك الوقت.
وذكر أن دائرة الاستيراد في الكويت توسعت فيما بعد من الدول الأوروبية لتشمل الولايات المتحدة واليابان وخصوصا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وازدياد عدد البواخر القادمة إلى الكويت مما أدى إلى دخول تجار جدد نشطوا في هذا المجال وأصبحوا وكلاء لشركات أجنبية عديدة.
وبين أنه في نهاية الأربعينيات نشط عدد من الشباب الكويتيين – لاسيما ممن سبق لهم تعلم اللغة الإنجليزية خلال فترة الثلاثينيات وبداية الأربعينيات – في استيراد البضائع المختلفة من الخارج لحسابهم الخاص أو لحساب تجار الجملة مقابل عمولة بسيطة تراوحت بين 2 و 5 في المئة أطلق عليهم (تجار القومسيون) مما شجع كثيرا من التجار الكبار على الاستفادة من تلك الخدمة التي وفرت عليهم جهودا كبيرة مقابل مبالغ بسيطة من المال.
وقال إن تجارة الاستيراد والتصدير كذلك المقاولات كانت من أكثر الأنشطة التجارية ربحية في ذلك الوقت مشيرا إلى أن هؤلاء الشباب افتتحوا مكاتب لهم نشطت في مجال الاستيراد مقابل عمولة (القومسيون) تركز معظمها في (قيصرية العوضي) القريبة من سوق التجار إذ استأثر نشاطهم خلال سنوات قليلة على جزء كبير من حركة الاستيراد وأصبحوا في الواقع هم المحركون الرئيسيون للسوق في تلك الفترة.
وأوضح جمال أن نشاط هؤلاء التجار الشباب اعتمد أساسا على استيراد الأقمشة والأحذية والبطانيات والملابس الجاهزة لكنه توسع بعد ذلك ليشمل بضائع أخرى كثيرة منها مواد البناء كالحديد والأسمنت والأواني والأدوات المنزلية إضافة إلى المواد الغذائية كالسكر والشاي والأرز والسمن ومعظم البضائع الاستهلاكية الأخرى التي كان يتعامل بها كبار التجار قبل ذلك.
وبين أن تجار الاستيراد والتصدير (القومسيون) تمكنوا من بناء علاقات وطيدة مع غرف التجارة في الدول المختلفة والوكلاء وشركات التصدير مما أكسبهم الخبرة والمعرفة والسمعة الجيدة كما كسبوا ثقة البنوك المحلية سواء (البنك البريطاني للشرق الأوسط) الذي كان البنك الوحيد في الكويت إلى عام 1952 أو بنك الكويت الوطني فيما بعد الذي بدأ نشاطه في نهاية ذلك العام.
وأوضح جمال أن رخص الاستيراد في ذلك الوقت كانت تصدر عن طريق المعتمد السياسي البريطاني في الكويت الذي كان يصدر إجازة الاستيراد للتجار ويحدد المبالغ المخصصة لكل منهم ثم يتم تقديم تلك الرخصة إلى (البنك البريطاني للشرق الأوسط) تمهيدا لفتح الاعتماد البنكي وهو النظام الذي بدأ يتلاشى مع بداية الخمسينيات.
وأشار إلى أن تاجر العمولة أو (القومسيونجي) كان يقوم بالاتصالات المطلوبة مع الشركات الأجنبية بواسطة البرقيات التي كانت السبيل الوحيد السريع آنذاك للاستفسار عن الأسعار واختيار أفضلها ليقوم بعد ذلك بتقديم الطلب وتحديد كمية ونوعية البضاعة.
وذكر أنه مع توسع نشاط تجارة (القومسيون) في الخمسينيات أصبح صغار التجار من هذا القطاع يستوردون كميات ضخمة من البضائع مما شجع كثيرا منهم على تعيين موظفين لهم لمتابعة الأعمال الإدارية كطباعة الرسائل والطلبات ومتابعة إرسال واستقبال البرقيات كما بدأ البعض منهم بالحصول على وكالات الشركات العالمية الكبيرة.
وأوضح جمال أن معظم البضائع كانت لا تكاد تصل إلى الكويت حتى يعاد تصديرها من قبل تجار الدول المجاورة خصوصا السعودية وإيران والعراق الى بلدانهم.
وبين أن هذا الأمر أدى إلى تبوؤ تجار (القومسيون) مركزا وجعلهم ذلك يشكلون ثقلا تجاريا لا يستهان به في السوق الكويتية وخصوصا بالنسبة للسلع الاستهلاكية التي كانوا يعيدون تصديرها إلى الدول المجاورة أو يوزعونها على أصحاب المتاجر والمحال في اسواق الكويت.