أقلامهم

في اليوم العالمي للمرأة
نساء الخليج قطعن شوطا طويلا.. وما زال الطريق طويل!

على مدى السنوات القليلة الماضية، حظي موضوع حقوق المرأة في منطقة الخليج باهتمام كبير في المنطقة وخارجها، حيث أصبح هو الموضوع المفضل في المنتديات العامة والمؤتمرات والمنح الدراسية الأكاديمية والصحافة المحلية والعالمية.

حتى أولئك الذين يهتمون أكثر بحقوق المرأة في الخليج وشبه الجزيرة العربية أكثر من غيرهم لا يمكنهم إنكار حقيقة أن كثيرا من التقدم قد أحرز في هذا المجال على مدى العقدين الماضيين. وتسعى التحركات من أجل حقوق المرأة، التي انضم إليها الرجال أيضا، دون هوادة إلى تمكين المرأة وتأمين نفس الفرص المتاحة للرجل في المنطقة في التعليم والعمل وغير ذلك من جوانب الحياة العامة لها.

وعلى الرغم من أن التمكين للمرأة قد تحقق على مستويات مختلفة في بلدان الخليج، وفقاً لاختلاف الظروف السياسية والاجتماعية المحلية، ألا أن هناك عددا من الإنجازات البارزة التي ينبغي تسليط الضوء عليها أكثر من غيرها.

التعليم والعمل والثروة

التعليم.. هو المفتاح الذي فتح الباب أمام مشاركة المرأة في الحياة العامة. وقد فتحت أولى مدارس البنات في المنطقة في البحرين والكويت في العشرينات. وبحلول الخمسينات، أنشئت مؤسسات تعليمية للفتيات في جميع أنحاء المنطقة.

وقد بدأ التعليم ببطء في تغيير المفاهيم التقليدية لأدوار الجنسين ووضع المرأة في المجتمع. وفي العقود التالية، لم تكتف المرأة بضمان الحق في التعليم العالي وحسب، بل أيضاً بفرصة متابعة الدراسة في الخارج، مدعومة في نهاية المطاف بالمنح الدراسية الحكومية.

وعلى الرغم من أن الخليج كان متأخرا نسبيا في فتح المجال لتعليم المرأة مقارنة ببقية دول العالم العربي، إلا أنه لم يتمكن على مدى السنوات الستين الماضية من اللحاق بالبلدان العربية الأخرى وحسب، بل تجاوزها أيضا.

وتتمتع المنطقة الآن بأعلى معدلات تعليم للنساء على المستوى العربي. كما أن النساء الخليجيات أكثر تعليما من الرجال الخليجيين. ففي قطر، على سبيل المثال، هناك 54 في المائة من النساء في سن الجامعة يدرسن في الجامعة فعلا، مقابل 28 في المائة فقط من الرجال؛ وفي البحرين والكويت يفوق عدد النساء عدد الرجال في مؤسسات التعليم العالي.

وتحظى المرأة الخليجية أيضاً بمعدلات مشاركة أعلى من معدلات مشاركة المرأة في العمل في البلدان العربية الأخرى، حيث تحتل الكويت والإمارات وقطر الصدارة في هذه الإحصائية. كما أدى تزايد فرص حصول المرأة على العمل والأعمال التجارية إلى زيادة ثرواتها الشخصية. ووفقاً لتقرير صادر في عام 2012، تمتلك الشركات التي تديرها نساء خليجيات أصولاً بقيمة 853 مليار دولار أمريكي. وفي العام الماضي، حصلت امرأتان سعوديتان (لبنى عليان ورانية نشار) على المرتبة الأقوى في قائمة “نساء فوربس”.

الانفتاح السياسي للمرأة

ولأن المرأة الخليجية أصبحت أكثر تعليما ونشاطا في القوى العاملة، فقد سعت أيضا إلى التمكين السياسي. ولم يتأخر تحقيقها للحقوق السياسية كثيرا عن الرجل نظرا لضيق الحيز السياسي في المنطقة أساسا. ففي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت بلدان الخليج أخيرا في السماح للمرأة بتقلد المناصب السياسية وإشغالها (وفي بعض الحالات، منحت هذه الحقوق في نفس الوقت الذي منحت فيه للرجل).

وفي عام 2002، منحت المرأة البحرينية الحق في التصويت والترشح في الانتخابات للمرة الأولى، وبعد أربع سنوات أصبحت لطيفة الجود أول امرأة بحرينية تُنتخب لعضوية البرلمان.

وفي عام 2005، سمحت الكويت أيضا للنساء بالتصويت والترشح للانتخابات. وبعد أربع سنوات على ذلك السماح، تم انتخاب أربع نساء كويتيات في البرلمان وهن؛ معصومة المبارك، وسلوى الجسار، وأسيل العوضي، ورولا دشتي.

وفي عام 2003، شهد الخليج أيضا تعيين أول وزيرات في حكومات البلدان الخليجية. ففي مارس من نفس العام، تولت الشيخة عائشة بنت خلفان مسؤولية الهيئة الوطنية للحرف الصناعية في سلطنة عمان، وفي مايو، أصبحت شيخة أحمد المحمود وزيرة التعليم في قطر.

و الآن، بعد مرور عقد ونصف على هذا الانفتاح السياسي المتواضع، اتخذت خطوات أكثر إلى الأمام وبضع خطوات إلى الوراء. حيث تترأس البرلمان في البحرين ونائب رئيس مجلس الدولة على التوالي في عمان امرأتان (فوزية عبدالله يوسف زينل وسعاد اللواتي).

كما بدأت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في إتاحة الفرص للنساء لشغل مناصب حكومية هامة. وفي عام 2013، عين الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز 30 امرأة في مجلس الشورى، وعهد الملك سلمان بن عبد العزيز العام الماضي بمنصب نائب وزير العمل والتنمية الاجتماعية إلى تماضر بنت يوسف الرماح. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، أصبحت أمل عبدالله القبيسي أول امرأة تشغل منصب رئيس المجلس الوطني الاتحادي في عام 2018.

النضال مستمر

ولا تزال هناك تحديات كثيرة تنتظرنا. فقد تراجعت بعض الإنجازات على الساحة السياسية، وخاصة في البحرين والكويت، إذ تواجه النساء نقصا في الدعم الاجتماعي والمالي مما يجعل من الصعب عليهن الترشح للمناصب. كما أثرت مستويات مختلفة من القمع السياسي في بعض دول الخليج على النساء والناشطات في مجال حقوق المرأة. وعلى الرغم من التعيينات في المناصب الرسمية، فإن صنع القرار السياسي يظل إلى حد كبير في أيدي الرجال.

ولا تزال قطاعات كبيرة من مجتمعات الخليج تهيمن عليها الآراء التي تقلل من أهمية مشاركة المرأة في المجال العام. وينعكس ذلك كثيرا في مختلف أحكام قوانين الأسرة واﻷحوال الشخصية، التي يمكن أن تقيّد بعض اﻷنشطة اﻻجتماعية واﻻقتصادية للمرأة وتضعها في وضع غير مؤات من الناحية القانونية بالنسبة للرجل، مع احتفاظ المملكة العربية السعودية بقانون صارم للوصاية.

وعلى الرغم من أن البحرين (2006) والإمارات العربية المتحدة (2008) وقطر (2010) ومؤخرا الكويت (2018) سمحت للنساء بأن يصبحن قاضيات، فإن القضاء وتفسير القانون لا يزال يهيمن عليه الرجال إلى حد كبير.

وعلى الرغم من هذه التحديات الكبرى، لا بد من الاعتراف بأن جيلي قد شهد التحول من “نقطة الصفر” إلى مستوى مثير للإعجاب من المشاركة العامة التي تتمتع بها نساء الخليج اليوم. إن كفاح الجيل القادم سيكون صعبا حقا، والتغيير سيكون بطيئا، ولكن ما سيجعل الأمر ممكنا ذلك التوافق القائم في منطقة الخليج على أن تمكين المرأة اجتماعيا واقتصاديا يجب أن يكون جزءا من أي استراتيجية إنمائية شاملة وأي خطط لرؤى مستقبلية.

لم تعد السياسات المتعلقة بمشاركة المرأة مجرد مجموعة من الكلمات اللطيفة التي تراعى تقارير المنظمات الدولية، بل أصبحت سياسة حقيقية وملموسة على الرغم من جميع الحواجز السياسية والاجتماعية المتبقية. فالواقع يقول أن الصعوبات التي تم التغلب عليها حتى نصل إلى ما نحن عليه اليوم أكبر بكثير من الصعوبات التي تنتظرنا.

المقال منشور بالانجليزية في موقع قناة الجزيرة الإنجليزية بتاريخ 8 مارس 2019؛
(https://www.aljazeera.com)

ترجمه الى العربية: فريق صحيفة سبر