آراؤهم

ما مدى جدية لجنة الشهادات المضروبة بالتطبيقي؟

تنويه من الكاتبة اقبال الشايجي:
في نفس اليوم الذي خص به وزير التربية جريدة الأنباء بتصريح عن إحالة 250 شهادات مضروبة في التطبيقي إلى النيابة ، والتي تم على أساسها كتابة المقال أدناه، خص جريدة الوطن بتصريح آخر بأن تلك الشهادات وعددها 259 أغلبها لكويتيين في القطاع الخاص، غير أن وزير التربية قد أعلن سابقًا بأن أصحاب هذه الشهادات جميعهم غير كويتيين يعملون في القطاع الخاص، في حين أن الخبر في وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، نقلاً عن د. نورية العوضي، المدير العام للجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم، بأن حاملو هذه الشهادات الوهمية هم من مختلف الجنسيات.
نحن نستغرب جدًا هذه التصريحات الخاصة والمتضاربة في الصحافة، والتي لا نعلم من سيتحمل مسؤوليتها! فالذي على المحك الآن هو قضية شهادات مزورة تعصف بالكويت، وسمعة مؤسسة تعليمية عريقة كالتطبيقي وسمعة أساتذتها، وهي أمورٌ لا تتحمل مثل هذه التصريحات المتضاربة. وإن تم نفي خبر تحويل 250 أو 259 شهادة لأساتذة التطبيقي إلى النيابة، فإن باقي التساؤلات في المقال أدناه مازالت قائمة ومشروعة، ولا نجد لها أي إجابة شافية من أي جهة رسمية.
—————————————

من المتعارف عليه أن اللجان المُشكلة تبدأ أعمالها بالضرورة من تاريخ عقد اجتماعها الأول ، فهو الاجتماع الذي يتم خلاله التعارف بين أعضاء اللجنة، واستعراض مهامها واختصاصتها، ومناقشة المعطيات المتوفرة، واقتراح الحلول المناسبة، ومن المفروض أن ينتهي الاجتماع الأول بوضع آلية عمل لتنفيذ مهام اللجنة ضمن برنامج زمني محدد ينتهي برفع تقرير للجهة المُشكّلة لها بما توصلت إليه اللجنة.   

إلا أن تصريح وزير التربية والتعليم العالي، د. بدر العيسى، لجريدة الأنباء بأنه قد تم “إحالة 250 شهادة «مضروبة» في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب إلى النيابة العامة للتحقيق فيها ومعرفة مدى صحتها”، وذلك بعد حضوره الاجتماع الأول للجنة التي شكلها مؤخرًا للتحقيق في الشهادات “المضروبة” في التطبيقي، كالعادة يثير العديد من التساؤلات. 
متى استطاعت اللجنة أن تتحقق من شبهة هذا العدد الكبير من الشهادات قبل بدء أعمالها؟ خصوصًا وأن مهام اللجنة ضخمة ولا يمكن التحقيق فيها وإصدار قرار بشأنها بعد اجتماع واحد، علمًا بأن هذه المهام – كما ذكرها مدير عام الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب لجريدة الأنباء كذلك – هي “(1) للنظر في الأساتذة الذين لم يسلموا رسالات الدكتوراه إلى إدارة المصادر التعليمية و(2) النظر في الشهادات بشكل عام من ناحية اعتمادها ومن الجامعات المعتمدة من عدمها و(3) النظر في الأساتذة الذين تم ترقيتهم أثناء فترة عملهم في الهيئة ولم يحصلوا على الإجازات الدراسية”.
إن تكرار كلمة “الأساتذة” في تصريح مدير عام الهيئة عن مهام اللجنة أعلاه يحصر الفئة المُحقق فيها بأعضاء هيئة التدريس في التطبيقي، وليس الإداريين ولا المدربين (أعضاء هيئة التدريب). لذا، عندما يصرح وزير التربية بوجود هذا الرقم الهائل من الشهادات المضروبة في التطبيقي، هل يقصد فعلاً أعضاء هيئة التدريس؟
وإن تعمقنا قليلاً في اختصاصات اللجنة المذكورة، نجدها قد خلطت جميع الأوراق ببعضها مما قد يجعل مهمتها شبه مستحيلة، فمن تدقيق شهادات آلاف العاملين “بشكل عام” في التطبيقي لاكتشاف المزوَّر والمعتمد منها، إلى حصر من صحت شهادته من الأساتذة ولكنه لم يسلم نسخة رسالته للهيئة، وأخيرًا إلى ملفات ترقيات الأساتذة للنظر في من حصل على الشهادة بدون إجازة دراسية وترقى على أساسها. مما يجعلنا نتساءل مرة أخرى: ألن يشل ذلك عمل اللجنة ويُصعب مهمتها؟ ألن يضر ذلك بجدية عملها؟ أم هل كان تشكيلها لترضية الرأي العام نظرًا للضغط الإعلامي الذي حصدته قضية الشهادات المزورة؟
كما أن مصطلح “الشهادات المضروبة” أصبح مصطلحًا عائمًا جدًا حاليًا، فلقد بدأ بالشهادات “الدكاكينية” – التي يُعطيها “دكان الشهادات” وليس جامعة – ثم انتقل المصطلح ليشمل الجامعات غير المعتمدة من التعليم العالي، مع العلم أن وزارة التعليم العالي قد لا تعتمد بعض الجامعات العريقة لسبب أو لآخر، وليس لأنها جامعة “دكاكينية”، ومؤخرًا دخلت جامعات الانتساب ضمن “الحسبة”. فما هي نوعية الشهادات “المضروبة” التي يقصدها الوزير؟
وهل سيتم محاسبة عضو هيئة التدريس لوحده على شهادته “المضروبة”؟ أم سيشاركه الذنب إدارة البعثات التي أرسلته، أو المكتب الثقافي الذي لم يستلم أو لم يرسل رسالته للهيئة، أو إدارة الهيئة لعدم متابعتها لشؤون العاملين فيها، أم أعضاء لجان الترقيات الثلاث (من القسم للكلية للقطاع) الذين سمحوا بترقية الحاصلين على شهاداتهم بدون إجازة دراسية؟
إن ثبُتَ الذنب، ووقع العقاب على عاتق عضو هيئة التدريس لوحده ، فسنكون كمن اقتلع نبتة ضارة من تربة خصبة لنمو المزيد منها! وإن لم يثبت ، فعلى من اتهم أساتذة التطبيقي بالتزوير جزافًا الاعتذار منهم.
وأخيرًا، هناك تساؤل عن قانونية تشكيل اللجنة. فالمُطلِع على لائحة التأديب بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب والخاصة بأعضاء هيئتي التدريس والتدريب، يجدها تنص ضمن موادها (85 – 93) على أن إحالة عضو هيئة التدريس/التدريب للتحقيق تكون بقرار من مدير عام الهيئة متضمنًا بيان المخالفة المنسوبة له ويتم تشكيل لجنة التحقيق من أعضاء هيئة التدريس بالكلية أو التدريب بالمركز، و”لا يجوز توقيع عقوبة تأديبية على عضو هيئة التدريس/التدريب إلا بقرار مسبب بناءً على تحقيق كتابي تسمع فيه أقواله وبعد أن يتم التحقق من دفاعه…”، كما قد حددت اللائحة العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على عضو هيئة التدريس/التدريب على أن يكون أقصاها، وهو الفصل من الخدمة، بتصديق مجلس إدارة الهيئة عليه. من هذا المنطلق، ما قانونية اللجنة التي شكلها وزير التربية؟ وإن لم تكن لجنة تحقيق مع أعضاء هيئة التدريس (حتى لا يتم مخالفة لائحة التأديب بالهيئة)، وإنما هي لجنة تقصي حقائق في “موضوع” الشهادات المضروبة، على اعتبار أن الوزير هو رئيس مجلس إدارة الهيئة (السلطة العليا المهيمنة على التعليم التطبيقي والتدريب في البلاد)، فكيف تم التأكد من شبهة تزوير 250 شهادة في التطبيقي وكيف تم تحويلهم للنيابة بدون التحقيق معهم؟ مما يُعد مخالفة صريحة لمواد لائحة التأديب المذكورة أعلاه التي وضعت التحقيق والتأديب بيد المدير العام وليس الوزير.
لذا يبقى السؤال المهم الآن: ما مدى جدية عمل لجنة التحقيق في شهادات أساتذة التطبيقي؟ (ولن نسميها لجنة “الشهادات المضروبة” لأنها تعدت هذه الصفة). وهل سيستمر مسلسل توجيه الاتهامات لأساتذة التطبيقي وتشويه سمعتهم في الرأي العام بدون آلية واضحة للتحقيق والتأديب وبدون سماع أقوالهم؟ 
د. إقبال الشايجي
كلية العلوم الصحية
الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب