كتاب سبر

انهيار المشروع الفارسي الحزين.. حد القرف

هذا المقال لمن يشعر أنه عربي وينتمي إلى بلاد العرب، وغير موجه إلى الخط العلماني العربي الغالب الذي رسمت ملامحه أقليات حاقدة على الأمة، فوصل غلى حد وضع مصير وطنه وأمته في كفة، وكأس الخمر ومغازلة النساء في السوق في كفة، فصار منحطا إلى الحد الذي يثير الشفقة وبؤس الخاتمة. 
ونحن لا نتحدث عن فراغ، فكل أعداء القومية العربية من اصول غير عربية، تلتحق بهم أقليات لا تريد ويزعجها أن يتركز القرار في (الأغلبية) الساحقة، فتكون الأمة مشتتة ممزقة إلى فسفساء غير حقيقية ومفتعلة، بعنوان التعددية ليتساوى في ذلك النصف في المائة مع الـ 99% بينما نظرتهم إلى إيرانهم، نظرة الكتلة الواحدة، ونظرتهم إلى المستعمر حاميا ونموذجا، يستقوون به على تطلعات الأمة وثقافتها بل ووجودها لتكون كيانا ممزقا لا يوالونه إطلاقا، وإنما يستحلّون خيانته، أملا في مشروع (أهبل) وأحمق يضج بالغباء والتوهم، يريد أن ينقض على أمة هي من منحته اسمه وهي من أدخلته الإسلام بالقوة. 
وعندما أقول المشروع فأعني تحديدا المشروع الفارسي المتمذهب الذي دخل حالة مرضية شاملة، فصار ينظر للعالم العربي والعنصر العربي باعتباره ملحقا، متجاهلا حقيقة أن العرب هم الأصل واللب والأساس وأنهم أمة لا يمكن أن تنقرض وأن فارس في الميزان بجانب العرب ليست أكثر من ذبابة تحوم حول فيل ضخم، دعك من أن التمذهب الفارسي لم يكن في أي يوم غير حالة أقلية من غير أثر خارج نطاق التشويش، فهو لا يملك رسم المسار ولا تحديد المآل لأمة الإسلام. 
لقد بدأت المشكلة مع الخمينية الفارسية فور نشوء هذا النظام الذي استلهم الصفوية ثم ألبسها ثوبا إلهيا ابتدعه منفردا ضمن منظومته الخاصة، فبنى على ذلك مفهوم (تصدير الثورة) متجاهلا أنه لا يملك أي مبرر للوصول إلينا بثورته فالعالم العربي ليس فارسيا، ولا يمكن أن يكون وليس شيعيا حتى يؤمن بمقولات التمذهب الفارسي، فضلا عن أن ما بين الجانبين هوة عميقة يدخل فيها كل مجال عقيديا وقوميا، مع مستتبعات ذلك على كل صعيد. 
لكن هؤلاء يملكون قناعة (الحلم) و (التوهم) بأن النصر قادم، فلم يكن أمامهم غير محاولة تمزيق العالم العربي وشيطنته وتدميره من الداخل، وعبر اختطاف الأقليات على طريقة اختطاف إسرائيل للأقليات اليهودية في العالم، ومن ثم التدخل بشؤون الدول الأخرى وفرد مظلة التمذهب الفارسي على المزيد من الدول، ليجد ذلك مساحة من (الاستقبال) العربي لهذه الحالة الغيبية، تمثل أولا بترحيب اليسار العربي والفلسطيني بثورة الخميني، تلاه ترحيب جماعات عربية إسلامية فائقة التأثير مثل الإخوان المسلمين، التي أقامت علاقات ود مع الثورة الخمينية قبل أن تكتشف طائفيتها ومساعيها المضحكة لنشر التشيع في العالم العربي فراينا الشيخ محمد القرضاوي يقود انقلابا على هذه العلاقة المرتبكة والملتبسة والمريبة، فيصبح أحد أعداء إيران والمنبوذين منها، ولكن بعد أن (فات الفوت) وازدادت حصة التوهم الفارسي المتمذهب صفويا بأن العالم العربي أرض جاهزة ومفتوحة لتصدير الثورة، ثم الجلوس بانتظار خروج المهدي وقيادته للأمة بينما أغلب جنده من الإيرانيين حيث تصل الدماء في مكة للركب كما يقول مستشار علي خامنئي!.. 
وهذا هو جوهر الصدام مع هؤلاء، فنحن لا نؤمن بعقيدتهم، وهي بالنسبة إلينا كالجار في أرض واسعة يملك مساحة متر في متر فيريد بناء ناطحة للسحاب.. وناطحة السحاب تتطلب بناء مواقف متعددة الأدوار تمتد تحت أراضينا، وصعودا في البناء يمد ظلاله حولنا، ثم عددا كبيرا من الناس يقطنها! 
ومع أن هذا غير ممكن ومستحيل الحدوث، لكن حجم (الأوهام) المزروعة في رؤوس هؤلاء لا تملك اكتراثا لهذا الواقع فهم يؤمنون بأن مشروعهم حتمي وواجب!.. 
ولذلك لا يجب أن يعقد لسانك الدهشة إذا رأيتهم يستشهدون بقوله تعالى: “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين”.. فهذا يقينهم الذي عبأوا به رؤوسهم، وحقنوا به قلوب شعبهم وأتباعهم وجواسيسهم، وهذا ما يجري التنظير له ليلا نهارا وكل الوقت مما نراه من مشاهد معلنة، تستنهض الهمم وتزرع الحلم وتبرر السياسة والمواقف، فهو صراع لا يد لك فيه وقد فرض عليك شئت أم أبيت كما يؤشر على ذلك واقعنا مع هؤلاء دون لبس. 
من هنا فهناك (استراتيجية) فارسية مناهضة للأمة العربية، يمنحها (الإرهاب) السني بطاقة حظ مغرية للتفاهم مع القوى العظمى وأيضا تحت وهم التحالف مع هذه القوى، وتماما كما سبق وتم مع البرتغال ضد المماليك والنمسا ضد الدولة العثمانية، فطالما أمكن شيطنة العالم العربي كان ذلك أقصر السبل لسيادة التمذهب الفارسي، ثم إضعاف العالم العربي وجعله أشتاتا تهيمن إيران على معظمها وتحيّد البقية، ثم نجلس معا بانتظار خروج المهدي ليتولى دفة القيادة بعد أن ينتهي دور نائبه الولي الفقيه على خامنئ، وعندها سيقوم الإسلام الصحيح ودولة العدل الإلهي، ويتم الدين ويتحقق العدالة والهدى. 
من هنا كانت منظمة القاعدة عبر عمليتها في 11 سبتمبر 2001 هدية من السماء للإيرانيين، فبدأت عملية واسعة لشيطنة (الوهابية) السعودية باعتبار أن الغالبية العظمى من منفذي العملية (الهجمات) كانوا من السعوديين ولأن قائدهم أسامة بن لادن من السعودية، فجرت أعظم عملية تشويه بالتاريخ للإسلام تلاقت مع الحاجة الأميركية والغربية عموما إلى عدو بديل كي تستمر أدوات الصراع التي كانت قائمة ضد الشيوعية والاتحاد السوفياتي فوقع الحلف الفارسي الأميركي في كل من أفغانستان والعراق وعلى التوالي وخلال عامين فقط، وقدمت إيران الدليل تلو الدليل لقدرتها على الانسجام والتعاون، ثم كان لها رأس رمح نموذجية لإقناع العقل الغربي على أن الإسلام الفارسي هو الأقدر على خلق التعايش والتفاهم مع الغرب ومعه التيار الإخواني الذي كان ما زال منسجما، ولهذا رأينا باراك أوباما الرئيس الأميركي وهو يخطب من على منبر الأزهر ومن تركية وكأنه يخاطب القوتين فقط لا غير: الإخوان المسلمون، والتمذهب الإيراني، أما البقية فهم من شقين، أغلبية صامتة تخضع لحكومات تحتاج إلى الإصلاح، وباقون من المتشددين كإرهاب محتمل!.. 
وأفسح ذلك المجال واسعا لتركيز الهجوم على السعودية باعتبارها (منبعا) للإرهاب، وأن هذا (الإسلام الوهابي) هو أكبر مخزون لمعاداة الغرب وكراهيته، لتكون النهاية أننا أمام موضة من تخليق وهم الإرهاب بل وحتى صناعته وإفساح المجال له لخلق مبررات سياسة مناهضة لمجمل الأمة الإسلامية السنية، عبر إشهار بطاقة الإرهاب للتحذير من التغيير كما جرى في سورية حيث دفع النظام ومن ورائه إيران الشعب السوري دفعا إلى المنظمات الإسلامية المتطرفة، وهو ما جرى أيضا في العراق لتدمير وتفتيت وقتل وتهجير المكون السني، مع استفزاز رد فعل الغرب وإسرائيل من أجل الإبقاء على نظام طائفي في سورية، كان وعبر كل سياساته أحد الأدوات المهمة لهيمنة الخط الفارسي في العراق (تغليب نوري المالكي على أياد علاوي) وكان المعين في الهيمنة على لبنان، والمنسق لإيجاد (كوريدور) إيراني في غزة والقضية الفلسطينية عبر حماس، وكل ذلك ضمن تكتيكات (المناورة النووية) التي استخدمت لعقد الصفقات مع الغرب. 
وكان الهدف الأكبر من شيطنة (الوهابية السعودية) شل دور الدولة العربية الأعظم القادرة على مواجهة مشروع ناطحة السحاب الإيرانية، ولهذا وجدنا الحملة على السعودية و (دين السعودية) هي العنصر الذي يأخذ الأولوية والأسبقية في الاسترتيجية الفارسية، من أجل تحييدها وإضعافها ثم الاستفراد بالبلدان العربية الصغيرة والمنهكة والمنشغلة، والسيطرة عليها وعلى الطريقة اللبنانية (الثلث – الأقلية – المعطلة) واختطاف القرار ثم انتظار المهدي.
ولكن السعودية فاجأت إيران فلم تكتف بالمنهج الدفاعي (المتحوصل على نفسه) والذي كان نموذجيا لإيران منذ احتلالها للعراق، بل اتخذت خطا هجوميا تمثل بحماية البحرين بعد أن بلغ الجموح والخيال الإيراني حد محاولة ضمها للمظلة، ثم جاءت معركة تنظيف اليمن من اللطخة الإيرانية الهادوية المتخلفة، وصولا إلى السياسة الثابتة والحازمة من سورية وأنها بلد عربي لا ينبغي وغير مقبول أي دور فيها لإيران وبأي شكل ليكون العراق هو المحطة المقبلة.
هذا الاقتدار السعودي الذي تمكن من إقامة حلف واسع أهم ما فيه الكيان الخليجي متمثلا بالدول الأربع الشريكة في حرب اليمن أظهر لإيران أن الخليج واحد وأن وجود تمايز بين دوله (عند ساعة الحزم والحسم) هو كأس خيال مريض، فرأينا هؤلاء الملالي يفقدون عقولهم، ويقعون في التخبط العشوائي لأنهم أدركوا أن هزيمتهم قد أزفت، وأن مشروع ناطحة السحاب على أرض من متر فمتر ليس وهما أو حلما مريضا، وإنما هو شيء مثير للقرف والحزن.