محليات

تعليقاً على الاوضاع الاقتصادية الحالية
خطبة الجمعة المقبلة بعنوان.. “وَلَا تُسْرِفُوا”

نشرت وزارة الاوقاف والشئون الإسلامية عبر موقعها الالكتروني خطبة الجمعة المقبلة، حيث ركزت في خطبتها على الاقتصاد وعدم الاسراف.   


تأتي هذه الخطبة تعليقاً على الاوضاع الاقتصادية في البلاد والدول المجاورة بعد الهبوط الحاد في اسعار النفط. 

 وجاء نص الخطبة كالتالي:-

خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ الْمُذَاعَةِ وَالْمُوَزَّعَةِ
بتاريخ 3 من جمادى الأولى1437هـ الموافق 12 / 2 / 2016م
(وَلَا تُسْرِفُوا )
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَمَرَ بِالْعَدْلِ وَأَثْنَى عَلَى الْمُعْتَدِلِينَ، وَذَمَّ الْمُبَذِّرِينَ وَجَعَلَهُمْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْقَائِلُ فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ: )يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ( [الأعراف:31]،  وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الأَمِينُ، وَصَفْوَةُ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الَّذِينَ لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَكُونُوا مِنَ الْمُقْتِرِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللهِ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ؛ فَإِنَّ التَّقْوَى سَبِيلُ الْفَلَاحِ، وَطَرِيقُ الْبِرِّ وَالصَّلَاحِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ( [الحشر: 18].
 مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:
لَقَدِ امْتَازَ دِينُكُمُ الْعَظِيمُ، بِمَنْهَجِهِ الْوَسَطِ الْقَوِيمِ، بَيْنَ سَبِيلِ السَّرَفِ الْمَقِيتِ، وَطَرِيقِ الشُّحِّ الْمُمِيتِ، فَدَعَا إِلَى الِاعْتِدَالِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَحَثَّ عَلَى الْقَصْدِ فِي كُلِّ أَمْرٍ، فَلَا إِفْرَاطَ وَلَا تَفْرِيطَ، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: )وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا(  [الإسراء:29].
وَيَقُولُ تَعَالَى: )وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا( [الفرقان:67].
 وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ y قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا مَا لَمْ يُخَالِطْهُ إِسْرَافٌ أَوْ مَخِيلَةٌ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ].
ثَلَاثَةٌ فِيهِنَّ لِلْمُلْكِ التَّلَفْ     الظُّلْمُ وَالإِهْمَالُ فِيهِ وَالسَّرَفْ
فَالإِسْرَافُ دَاءٌ يُهَدِّدُ الْمُجْتَمَعَاتِ، وَيُبَدِّدُ الأَمْوَالَ وَالثَّرَوَاتِ، وَيَجْلِبُ الْبَلَايَا وَالْعُقُوبَاتِ، وَهُوَ شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الضَّلَالِ، وَأصْحَابُهُ مُتَوَعَّدُونَ بِسَخَطِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: )وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ( [غَافِر:43]، وَيَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَضَابِطُ هَذَا كُلِّهِ الْعَدْلُ, وَهُوَ الأَخْذُ بِالْوَسَطِ الْمَوْضُوعِ بَيْنَ طَرَفَيِ الإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ, وَعَلَيْهِ بِنَاءُ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ, بَلْ لَا تَقُومُ مَصْلَحَةُ الْبَدَنِ إِلَّا بِهِ، فَإِنَّهُ مَتَى خَرَجَ بَعْضُ أَخْلَاطِهِ عَنِ الْعَدْلِ وَجَاوَزَهُ أَوْ نَقَصَ عَنْهُ؛ ذَهَبَ مِنْ صِحَّتِهِ وَقُوَّتِهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الأَفْعَالُ الطَّبِيعِيَّةُ كَالنَّوْمِ وَالسَّهَرِ وَالأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَالْحَرَكَةِ وَالرِّيَاضَةِ وَالْخَلْوَةِ وَالْمُخَالَطَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ, إِذَا كَانَتْ وَسَطًا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ الْمَذْمُومَيْنِ؛ كَانَتْ عَدْلاً، وَإِنِ انْحَرَفَتْ إِلَى أَحَدِهِمَا؛ كَانَتْ نَقْصًا وَأَثْمَرَتْ نَقْصًا».
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ لِلسَّرَفِ وَالْهَدْرِ فِي حَيَاتِنَا الْيَوْمِيَّةِ صُوَرًا شَتَّى، وَمَظَاهِرَ يَأْبَاهَا أُولُو الأَحْلَامِ وَالنُّهَى، وَمِنْ أَبْرَزِ هَذِهِ الْمَظَاهِرِ: الإِسْرَافُ فِي الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ، لَا سِيَّمَا فِي الْوَلَائِمِ وَالْمُنَاسَبَاتِ، فَالطَّعَامُ وَالشَّرَابُ قُوتُ الْبَدَنِ، لَكِنَّهُ إِنْ تَجَاوَزَ قَدْرَ الْحَاجَةِ غَدَا مُسَبِّباً لِلْعِلَلِ وَالأَدْوَاءِ، يُصَابُ صَاحِبُهُ بِالْكَسَلِ وَالتُّخَمَةِ وَالأَمْرَاضِ، لِذَلِكَ حَذَّرَ الإِسْلَامُ مِنَ الإِسْرَافِ فِي هَذَا، فَعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ t قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ]، وَيَقُولُ بَعْضُ السَّلَفِ: «جَمَعَ اللهُ الطِّبَّ كُلَّهُ فِي نِصْفِ آيَةٍ: )وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا( [الأَعْرَافُ:31]».
إِخْوَةَ الإِسْلَامِ:
وَمِنْ مَظَاهِرِ الإِسْرَافِ: تَكَدُّسُ خِزَانَاتِ الْمَلَابِسِ بِأَفْخَرِ الثِّيَابِ، بَاهِظَةِ الأَثْمَانِ؛ سَعْيًا وَرَاءَ الْمَظَاهِرِ وَالتَّقْلِيدِ، وَاسْتِسْلَامًا لِرَغْبَةِ الشِّرَاءِ وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَيَظْهَرُ هَذَا السَّرَفُ بِجَلَاءٍ فِي وَلَائِمِ القَوْمِ، وَمَحَافِلِ نِسَائِهِمْ، وَحَفَلَاتِ زَوَاجِهِمْ، تَكَالِيفُ بَاهِظَةٌ، وَمَلَابِسُ فَاخِرَةٌ، قَدْ لَا تُلْبَسُ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، سَرَفٌ لَا حَدَّ لَهُ، وَمُبَاهَاةٌ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ.
وَمِنْ مَظَاهِرِ الإِسْرَافِ: الاِنْهِمَاكُ فِي تَبْدِيدِ الْمَالِ فِي غَيْرِ مَا يُجْدِي، بَدْءًا مِنَ التَّوَافِهِ وَالْكَمَالِيَّاتِ، وَانْتِهَاءً بِالْمُوبِقَاتِ وَالْمَحْظُورَاتِ، قَالَ سُفْيَانُ -رَحِمَهُ اللهُ-: «مَا أَنْفَقْتَ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللهِ فَهُوَ إِسْرَافٌ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلاً»، فَحِينَ تَغْلِبُ الْمُسْلِمَ شَهْوَةُ الشِّرَاءِ الْجَامِحَةُ، وَيَفْقِدُ مَعَهَا التَّحَكُّمَ فِي هَوَاهُ، يُوقِعُهُ ذَلِكَ فِي الضِّيقِ وَالْمَشَقَّةِ، عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَرُبَّمَا لَحِقَهُ مِنَ الدَّيْنِ مَا عَكَّرَ صَفْوَ حَيَاتِهِ، وَجَعَلَهُ حَبِيسَ هَمِّ قَضَائِهِ وَانْفِرَاجِهِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ:
وَمِنْ مَظَاهِرِ الإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ: تَجَاوُزُ الْحَدِّ الْمَعْقُولِ فِي اسْتِهْلَاكِ الْمَاءِ وَالْكَهْرَبَاءِ وَوَسَائِلِ الاتِّصَالِ الْحَدِيثَةِ، فَالإِسْرَافُ فِي اسْتِعْمَالِهَا مُشَاهَدٌ وَمَلْحُوظٌ، فِي الْبُيُوتِ وَالْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ وَالْمُؤَسَّسَاتِ، فَالْمُبَالَغَةُ فِي غَسِيلِ السَّيَّارَاتِ، وَعَدَمُ الاِتِّزَانِ فِي رَيِّ الْحَدَائِقِ وَالْمَزْرُوعَاتِ، يُنْبِئُ عَنْ ضَعْفِ التَّصَوُّرِ لِهَذِهِ الْمُشْكِلَةِ، وَإِضَاءَةُ الْمَصَابِيحِ نَهَارًا، وَسُوءُ اسْتِعْمَالِ الأَجْهِزَةِ الْكَهْرَبَائِيَّةِ، قَدْ يَجُرُّ الْمُجْتَمَعَ إِلَى مَشَقَّةٍ وَعَنَتٍ هُوَ فِي غِنًى عَنْهُ، وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ أَنَّهُمْ أَحْكَمُوا تَصَرُّفَاتِهِمْ، وَوَزَنُوا احْتِيَاجَاتِهِمْ، وَتَوَسَّطُوا فِي إِنْفَاقِهِمْ؟!! سِيَّمَا فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ الَّتِي تَتَهَاوَى مَعَهَا أَسْعَارُ النِّفْطِ فِي الأَسْوَاقِ، مِمَّا تَسْتَدْعِي الحَاجَةُ مَعَهُ إِلَى تَعَاوُنِ الجَمِيعِ مَعَ دُوَلِهِمْ، مِنْ خِلَالِ تَرْكِ الإِسْرَافِ، وَعَدَمِ الإِغْرَاقِ فِي النَّفَقَاتِ، وَتَرْشِيدِ المَصْرُوفَاتِ، تُجَّاراً وَمُسْتَهْلِكِينَ، مَسْؤُولِينَ وَمُوَاطِنِينَ، وَانْظُرُوا إِلَى هَدْيِ النَّبِيِّ r فِي ذَلِكَ، فَقَدْ كَانَتِ الْمَدِينَةُ فِي عَهْدِهِ r ذَاتَ مِيَاهٍ وَافِرَةٍ، وَزُرُوعٍ وَحَدَائِقَ، وَمَعَ هَذَا فَقَدْ كَانَ r يَغْتَسِلُ بِصَاعٍ وَيَتَوَضَّأُ بِمُدٍّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ y قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَبِيِّ r يَسْأَلُهُ عَنِ الْوُضُوءِ، فَأَرَاهُ ثَلَاثاً ثَلَاثاً، قَالَ: «هَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ» [أَخْرَجَه أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ].
أَيُّهَا النَّاسُ:
هُنَالِكَ نَوْعٌ آخَرُ مِنَ السَّرَفِ، لَا يَقِلُّ خُطُورَةً عَنْ سَابِقِهِ، وَهُوَ السَّرَفُ الْمَعْنَوِيُّ، كَالسَّرَفِ فِي السَّهَرِ وَالنَّوْمِ، وَالْمَحَبَّةِ وَالْبُغْضِ، وَالنَّقْدِ وَالتَّزْكِيَةِ، وَالْمَدْحِ وَالذَّمِّ، وَالْكَلَامِ وَالصَّمْتِ، وَأَخْطَرُهُ: الإِسْرَافُ فِي الذُّنُوبِ وَالآثَامِ، وَتَضْيِيعُ الأَوْقَاتِ فِي اللَّهْوِ الْحَرَامِ، فَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ t قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثاً: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، فَالعَاقِلُ
-عِبَادَ اللهِ- مَنْ وَازَنَ بَيْنَ الأُمُورِ، وَضَبَطَ تَصَرُّفَاتِهِ بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ مُتَطَلَّبَاتِ الرُّوحِ وَالْبَدَنِ، وَبِمَا يَنْضَبِطُ بِضَابِطِ الشَّرِيعَةِ، فَالْعَدَالَةُ وَالِاسْتِقَامَةُ وَالِاتِّزَانُ، مِنْ عَظِيمِ مَا وَصَفَ اللهُ بِهِ هَذِهِ الأُمَّةَ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا( [البقرة:143]، فَلاَ يَنْبَغِي الْخُرُوجُ عَنْ هَذَا الْوَصْفِ الْحَمِيدِ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هَدَانَا لأَعْظَمِ شِرْعَةٍ وَوَفَّقَنَا لأَكْرَمِ دِينٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الأَمِينُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
 فَاتَّقُوا اللهَ – إِخْوَةَ الإِيمَانِ – ، وَكُونُوا مِنْ ذَوِي الْبِرِّ وَالإِحْسَانِ، وَتَجَنَّبُوا طَرِيقَ السَّرَفِ وَالْعُدْوَانِ، فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ الْخَيْبَةُ وَالْخُسْرَانُ، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ( [التوبة:119].
عِبَادَ اللهِ:
 فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَتَضَوَّرُ فِيهِ المُسْلِمُونَ جُوعاً، وَيَمُوتُ الْعَشَرَاتُ ظَمَأً، وَيُهَجَّرُ المَلَايِينُ ظُلْماً، وَيُنْفَوْنَ مِنْ بِلَادِهِمْ قَهْراً، فِي هَذَا الْوَقْتِ تَطُلُّ عَلَيْنَا مَوَاقِعُ التَّوَاصُلِ وَشَبَكَاتُ الأَخْبَارِ بِعَدَدٍ مِنَ المَقَاطِعِ المُؤْلِمَةِ وَالْمَشَاهِدِ المُحْزِنَةِ لِبَعْضِ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يَتَبَاهَوْنَ بِالسَّرَفِ وَيُرَاؤُونَ بِالتَّبْذِيرِ، وَهُمْ فِي قِمَّةِ السَّعَادَةِ وَالْفَرَحِ!! فِي مَشْهَدٍ يَنِمُّ عَنِ اللَّامُبَالَاةِ، وَعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِمَآسِي المُسْلِمِينَ، وَبِصُورَةِ مِنَ المُجَاهَرَةِ الَّتِي لَا تُرْضِي رَبَّ الْعَالَمِينَ.
إِخْوَةَ الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ:
كَمْ حَدَّثَ التَّارِيخُ عَنْ مُجْتَمَعَاتٍ عَامِرَةٍ أَسَّسَهَا رِجَالٌ مُخْلِصُونَ، أَشَادُوهَا بِمَا يَلِيقُ مِنَ الْمَرَافِقِ، وَأَنْشَأُوا حَوْلَهَا مَا يُقِيمُهَا مِنَ الْمَزَارِعِ وَالْمَصَانِعِ وَالْعَقَارِ وَالْمَتَاجِرِ!!، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى أَخْلَافٍ غَلَبَ عَلَيْهِمُ السَّرَفُ وَالدَّعَةُ، فَأَطْلَقُوا لِشَهَوَاتِهِمُ الْعَنَانَ، حَتَّى أَفْسَدُوا مَا صَنَعَ أُولَئِكَ الْمُخْلِصُونَ، فَتَقَوَّضَتْ تِلْكَ الْمُجْتَمَعَاتُ وَلاَقَى أَبْنَاؤُهَا عَنَاءَ الْقَسْوَةِ وَالشَّتَاتِ !!، فَقَدْ كَانَ الْمُعْتَمِدُ بْنُ عَبَّادٍ أَمِيرُ أَشْبِيلِيَّةَ يَعِيشُ حَيَاةَ التَّرَفِ، فَبَالَغَ فِي التَّنَعُّمِ وَالتَّلَذُّذِ حَتَّى وَقَعَ فِي الْبَطَرِ وَالسَّرَفِ، رَأَتْ زَوْجَتُهُ فَقِيرَاتٍ حَوَلَ قَصْرِهِ يَبِعْنَ الْمَاءَ، وَهُنَّ يَخُضْنَ فِي الطِّينِ، فَاشْتَهَتْ زَوْجَتُهُ مَعَ بَنَاتِهَا أَنْ يَخُضْنَ فِي الطِّينِ كَحَالِهِنَّ، فَلَبَّى الْمُعْتَمِدُ طَلَبَهَا لَكِنْ بِطَرِيقَةٍ غَرِيبَةٍ، أَمَرَ بِالْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ فَخُلِطَ بِمَاءِ الْوَرْدِ، وَجُعِلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الزَّعْفَرَانِ؛ لِيَكُونَ فِي هَيْئَةِ الطِّينِ، ثُمَّ جُعِلَ فِي سَاحَةِ قَصْرِهِ؛ لِتَخُوضَ فِيهِ زَوْجَتُهُ وَبَنَاتُهُ، فَهَذِهِ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الْبَذَخِ وَالإِسْرَافِ الَّتِي سَجَّلَهَا التَّارِيخُ؛ لِتَكُونَ عِبْرَةً لِمَنْ رُزِقَ رَغَدًا وَسَعَةً فِي الْعَيْشِ.
ثُمَّ تَهَاوَى مُلْكُ الْمُعْتَمِدِ، وَأُخْرِجَ مِنْ أَشْبِيلِيَّةَ، وَصُودِرَتْ أَمْوَالُهُ بَعْدَ أَسْرِهِ فِي أَغْمَاتَ مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ دَخَلَتْ عَلَيْهِ بَنَاتُهُ فِي الْعِيدِ فِي أَلْبِسَةٍ بَالِيَةٍ عَتِيقَةٍ، فَثَارَتْ نَفْسُهُ عَلَى حَالِهِ وَحَالِ أَهْلِهِ وَبَنَاتِهِ، يَصْدُقُ فِيهِ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: )وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ( [القصص:58].
اللَّهُمَّ قِنَا السَّرَفَ وَالتَّبْذِيرَ، وَاحْفَظْ جَوَارِحَنَا وَأَمْوَالَنَا عَنِ الْخَلَلِ وَالتَّقْصِيرِ، وَأَدِمْ عَلَيْنَا نِعْمَتَكَ، وَجَنِّبْنَا سَخَطَكَ وَنِقْمَتَكَ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الْكُفْرَ وَالْكَافِرِينَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْ مَنْ عَادَى الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ وَآذَى أُمَّةَ خَيْرِ الْمُرْسَلِينَ، اللَّهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ وَعِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ احْفَظْهُمَا بِحِفْظِكَ، وَاكْلَأْهُمَا بِرِعَايَتِكَ، وَأَلْبِسْهُمَا ثَوْبَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالإِيمَانِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَقَبَّلِ اللَّهُمَّ شُهَدَاءَنَا وَشُهَدَاءَ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
 لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة ودروس الإمام