أقلامهم

لماذا «القاعدة» و«داعش» وليس «حماس»؟!.. محمد العوضي متسائلًأ

«احتاج السذج قرابة 20 سنة ‏ليكتشفوا صلة إيران بتنظيم القاعدة ‏بحجة تقاطع المصالح، فكم ستحتاج الأدمغة المسلوبة إلى اكتشاف مصانع إنتاج داعش!»?.
بعد هذه التغريدة جاءتني رسالة مطولة من متعاطف مع الجهاديين، حاصلها أنك تركز النقد لداعش والقاعدة وتغض الطرف عن حماس وغيرها، ثم تبرأ ساحة القاعدة من علاقاتها مع إيران فكان هذا جوابي تتميماً للفكرة وفي انتظار النقد لترشيد الوعي:
أود التأكيد أولا على أنني أتفق معك في جملة الكلام الذي ذكرته عن حماس والقاعدة، وأنا أعتبره صحيحا وإن كان يحتاج تحقيقا في بعض الجوانب وتأكيدا لأخرى وإنكارا لثالثة، وحتى أستفيد من رسالتك وتفهم مقصودي مما أطرحه يجب في البداية أن أحدد بعض النقاط وأجليها لك لتعم الفائدة:
– في نقدي لأطروحات الآخر، أتوجه للجوانب المسكوت عنها والمضمرة التي لا يراها أكثر الناس، وبالأخص المنتمين للعمل الإسلامي والدعوة بشتى فصائلهم.
فحماس ومثلها جماعات قتالية عديدة في فلسطين والعراق والشام، معلومة الأخطاء ومكشوفة المنهج والاتجاه والرؤية، وأرجو أن لا يفهم من سياق حديثي الموافقة على كل ما في منهجهم أو دعما لمواقفهم.
لكن الواجب يحتم علينا تسليط الضوء على الغفلة وغياب الوعي في رصد وتقويم ما هو ملتبس وموجه، خصوصا في ما يتعلق بإشكالات فهم حقيقة تنظيمي داعش والقاعدة، وهما النازلة الأعظم التي تجني الأمة حصاد أفعالهما وحساباتهما الخاطئة رغما عنها اليوم.
وينبغي التأكيد على اعتقادي بأن الشباب الذي ترك متاع الدنيا وملذاتها والتحق بالجهاد نصرة لدين الله في كلا الجماعتين «القاعدة وداعش» صادقون مضحون زاهدون في الدنيا، والذي أدين امام الله به أنهم أفضل مني ومن آلاف من أمثالي في همتهم وبذلهم، ولكنهم مسيرون بلا أدنى بصيرة بضخامة الأحداث ومآلاتها.
ومما يزيد الأمر التباسا في حقيقة قيادة ومنهج هذين التنظيمين وجود قرائن قوية لا تقبل التأويل وشهادات من موثوقين على ارتباطهما بإيران، وهذه الحالة تعد جزءا أصيلا من عوامل عدة مساندة لحالة الضبابية العامة التي أوقعت خيرة شباب الأمة في شراك أعدائنا، منها:
– التباين الواضح والجلي بل والتضاد بين عقيدة إيران الشيعية الإمامية وعقيدة المنتمين لتنظيمي القاعدة وداعش السنية السلفية، مع تحفظي على فهمهم للسنة والسلفية معا.
– العمليات النوعية والجهادية التي يقوم بها الدواعش والقاعدة ضد الصفويين، ومنها ما ذكرته في بيانك لي.
فكلامي ينصب على قدرة أعداء الأمة في التوظيف الذكي والاختراقات الناعمة واستغلال عاطفة الشباب المسلم الصادق واستثمار مشاعر الإحباط وصناعة ظروف يقع فيها ما يُصطلح عليه (بالمغفل المفيد) الذي تستخدمه أجهزة المخابرات – وما أكثرها – لخدمة أهدافها دون تجنيد مباشر، ولكن بالاستفادة من حال العاطفة والثقة اللتين يحياهما مع قادة تنظيمه أو رافعي راية الجهاد دون تمحيص.
والموضوع يجب أن يؤخذ بتسلسل تاريخي، ابتداءً من تبني ودعم إيران لجماعة الجهاد المصرية في الثمانينيات بعد اغتيال السادات، وصولا إلى واقعنا المعاصر وما احتوته تلك الحقبة الزمنية من تعاون مباشر وغض طرف من أجهزة الأمن والمخابرات في إيران وسورية عن الشباب الجهاديين بهدف تحقيق أهدافهما بوقود لا يمتلكونه بشكل مباشر، وإنما يراد له تمرير الاستعمار الجديد والتطبيع مع إسرائيل وإحراق المنطقة وإضعاف شوكة أهل السنة، وإفقاد بلداننا الأمن وما يستتبع ذلك من تأجيج الصراع بين الدعاة وسلطات بلدانهم، ومحاربة الدعوة التي أصبحت رافدا للإرهاب حسب ما أقنع به سلوك بعض الشباب المندفع والمتحمس من لا يدرك حقيقة الحركات الدعوية وواقع الدعوة في بلداننا.
ومن ثم انتقال الجهاديين من مصر أمثال أيمن الظواهري على ما يحمله من فكر براغماتي ومناصريه والتقاؤهم ببن لادن في منتصف التسعينيات، والتأثير عليه وإقناعه بفكرة تكوين تنظيم خاص بهم، وما تبع ذلك من نفرة الشباب إليهم وما استتبعه من تقديم زينة شباب الأمة قرابين في معارك وهمية صنع ظروفها وتوقيتها أعداء الأمة ثم حصدوا ثمارها احتلالا لأفغانستان والعراق وسورية وليبيا، وزعزعة الأمن في بلدان أخرى مثل السعودية والكويت وليبيا وغيرها، بما لا يتسق مع الأدلة الشرعية ولا غايات الإسلام العظمى، وفي المقابل حصدنا نحن مرارة مقتل الملايين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومزيدا من التخلف والتشرذم والخراب ودمار الأوطان ومحاربة الدعاة والدعوة والاعتداء على حرمات الإسلام، وكل هذا حصل نتيجة لغوغائية القائمين على الحركات الجهادية المندفعة وسهولة التلاعب بهم من أجهزة المخابرات التي تسهل لهم الوقوع في أفخاخها. العمليات التي يقوم بها الدواعش والقاعدة ضد الصفويين ومنها ما ذكرته في بيانك لي، كانت ثمرتها في الغالب لمصلحة الصفويين وأذنابهم ولم تكن في صالح أهل السنة في العراق وسورية وليبيا وغيرها من بلدان المسلمين، ولا أظنك تخالفني في أن الواقع يؤكد ما أقول وأن المحصلة في النهاية لمصلحة المنظومة الإيرانية الصفوية على حساب الأمة التي جرها الدواعش إلى معركة ليست معركتنا بل هي حرب نتائجها لمصلحة أعدائها.
فأنا لا أتحدث في إطار ما بدر من انتقال الشباب من القاعدة إلى داعش والعكس، ولا حتى التشكيكات والاتهامات والتصفيات والخذلان على بعض الجبهات المتبادلة بينهما، فهذا موضوع يطول وله أسبابه ودوافعه وهناك من الثقات العاملين على الأرض من يملكون القدرة على تجليته وإيضاحه. لكني حريص على تنبيه الشباب من مغبة السقوط صرعى خدمة لمشاريع استخباراتية دون وعي ولا إدراك، والمصيبة الأعظم أن يكون بنية صادقة بغية الانتصار لديننا وعقيدتنا ولكنه في الحقيقة تثبيت لدعائم المستعمر وحلفائه في بلاد المسلمين وإضعاف لشوكتنا وتقوية لأعدائنا.
وقد تكون لي عودة للموضوع للحديث تفصيلا عن القادة الذين تمت استضافتهم في ايران مثل ابوشعيب المصري العسكري وغيره، وما كشفه العدناني من أوامر الظواهري بعدم استهداف ايران والذي ذكره تحت اسم «عذراً امير القاعدة».