كتاب سبر

الحقد الفارسي على جزيرة العرب.. الأسباب المناقضة لرسالة الله

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا (صحيح مسلم) أو كما قال.. ولاحظ أنه عليه الصلاة والسلام قال (تعود) بمعنى أنها (كانت) علماء الطبيعة يجزمون الآن بعد (إحصاء) أجروه على طبقات التربة في جزيرة العرب أنها مرت بخمس فترات مطيرة منذ بدء الحياة على وجه الأرض.
و (العلماء المختصون) يشيرون إلى أن المجموعة الشمسية (مجموعتنا) أكملت الدوران حول مجرة درب التبانة 25 دورة خلال 4500 مليون سنة هي عمر المجموعة، والعلماء على بينة الآن من أن عمر الإنسان على الأرض (آدم) لا يتعدى المئة ألف عام، والبعض يقول أقل مكن ذلك وفي كل حال فإن نشوء (مجتمعات) لا يتعدى العشرة آلاف سنة، وأن وجود (حضارات) عامرة لا يتعدى السبع آلاف سنة، والثابت (شرعا) أن البشر أبناء آدم فنوا باستثناء من كان مع نوح، فكل من على الأرض هم أبناء نوح، ولحكمة لله فإن أيا ممن كان على متن السفينة لم ينجب باستثناء نوح عليه السلام، لنكون نحن ذرية نوح بأبنائه سام وحام ويافث، والأول هو جد العرب وأقام كما أبوه في أرض العرب، ومنه كان نسل العرب ومن انشق عنهم من بني إسرائيل والروم أحفاد العيص بن يعقوب.
هذا يعني بحسبة معقدة ناجمة (جغرافيا) عن دوران المجموعة الشمسية حول المجرة أن جزيرة العرب تتحول مناخيا كما يتحول غيرها فتصبح غابة مطيرة ليكون لغيرها الجفاف والصحراء أو الثلوج بحسب (تقلّب) حالة الأرض بدوران محورها وسقوط خط الاستواء على بقع جديدة ما يتسبب بالمناخ الجديد فيها.
إن توقع النبي صلى الله عليه وسلم ذاته معجزة، لكنه يأتي ضمن مساق ومسار أوجده الله سبحانه وتعالى مسبقا كي تكون جزيرة العرب على حالها الذي نزلت فيه رسالة الختام.
هذا يطرح السؤال: لماذا أراد الله أن تكون جزيرة العرب قاسية التضاريس فقيرة جدباء مع انطلاق رسالة النبي ولماذا سيعيدها الآن مروجا وأنهارا؟
وعندما نقول (الآن) فلا نعني فورا وإنما أن ذلك يأتي متدرجا، وقد يجعله الله بقدرته سريعا فهو من علامات الساعة التي لا تأتي إلا بغتة ولا يعلم موعدها أحد من البشر بما في ذلك النبي نفسه لقوله تعالى: “يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ” الأعراف 187. وقوله تعالى: “يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا* فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا* إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا* إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا* كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا” النازعات 42-46.
إن الرد الذي يحمله اختيار جزيرة العرب فيه جواب رباني على هؤلاء الحمقى الذين يسخرون من العرب فإذا بهم يسخرون من حيث لا يدرون بالنبي محمد، ليدخل في هذا سخرية وتهجم هؤلاء الأغبياء على الجيل العربي الذي رباه النبي الخاتم وتكفل ببنائهم بأمر ربه ليحملوا الرسالة إلى خارج الجزيرة، حيث ستصاب بالدهشة وأنت تقلب صفحات السيرة النبوية فتجد النبي صلى الله عليه وسلم يخطط لانتقال هؤلاء إلى خارج الجزيرة وترك أرضها لنشر الرسالة!..
وفي جزئية مما نواجهه اليوم ستصيبك الدهشة عندما تعلم أن إيران الملالي ودونا عن غيرها من أمم الأرض التي دخلت الإسلام تسب هؤلاء وتشتمهم وتوصمهم بأبشع الصفات، بل إنها تخجل من الفتح الإسلامي لأراضيها فلا تذكر أبطاله بأي خير فيغيبون عن سرد رواية تاريخ بلاد فارس كليا وبتاتا، ليتعين عليك المقارنة: لماذا لا نخجل نحن العرب من سب أبي لهب بينما هو عم النبي!؟.. ولماذا لا تخجل من لعن الوليد بن المغيرة وهو أبو خالد!؟
والأمثلة كثيرة وهي من القرآن (تبت يدا أبي لهب وتب) و (ذرني ومن خلقت وحيدا) بينما تبغض فارس الملالي هاديهم وفاتحهم سعد بن أبي وقاص خال النبي والوحيد الذي قال له (اضرب سعدا بأبي أنت وأمي) وأحد العشرة المبشرين وتبغض قائده عمر بن الخطاب وقادة الفتح جميعا من غير استثناء!؟
لقد اختار الله الجزيرة العربية لحكمة لا يعلمها إلا هو، لكن معطيات هذا الاختيار تتجلى الآن أمامنا ببغض هؤلاء الضالين للعرب وبلادهم بما يتوجب معه النفح والدفاع عن عروبة وبطولة ورمزية هذه الأرض المباركة بدولها القائمة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بوجه هجمة المجوس.
تتوسط جزيرة العالم بأسره، وهي محمية مدرعة محصنة معزلة دفاعيا عن كل الأمم الطامحة والتوسعية والخطرة، فلا يوجد جيش قادر على اقتحامها، وقد رأينا أعظم جيوش الأرض بقائده أعظم غزاتها (الاسكندر المقدوني) لا يتعدى حدود الكويت الشمالية وهو يعسكر لغزو فارس والهند انطلاقا منها، ومثله عبر كل الغزاة أطراف الجزيرة من دون أن يتوغلوا فيها، واستمر هذا حتى الاستعمار الحديث ولم تحدث محاولات عكس هذا إلا بمؤامرات مجوسية صفوية بتزيين ذلك للبرتغال والصليبية الغربية بهدف أن تكافئ هذه الصليبية المتوحشة الفرس بمنحهم السيادة على الكعبة وقبر النبي والبقيع.
وأبرز هذه المؤامرات ما وقع مع القائد البرتغالي (الكيرك) ضمن تحالف الصفويين ضد العثمانيين والمماليك لرفع الضغط الإسلامي عن النمسا والأندلس.
ولكن قبل الإسلام لم تكترث أو تقدم أي من الامبراطوريات القائمة في العالم على غزو جزيرة العرب، وحتى دخول الفرس لليمن كان بعد تمنع شديد فقد قصد الأمير سيف بن ذي يزن امبراطور الفرس كسرى لنجدته ضد الأحباش الذين طغوا في اليمن وكان على رأسهم ابن أبرهة الأشرم (مسروق).
وما نتحدث عنه هو الفترة التالية لعام الفيل حيث ولد النبي صلى الله عليه وسلم والتالي لهزيمة (أصحاب الفيل) وقد رفض كسرى نجدة أمير حمير قائلا له بحسب ما ورد في الطبري وابن كثير وغيرهما: “بلادك بعيدة وليس فيها شيء لأرسل جيشي إليها”!.. لكن أساطين فارس أشاروا عليه شورى خبيثة بأن يرسل إلى اليمن المجرمين في السجون فإن انتصروا كان المجد لكسرى وإن هُزموا تم الخلاص منهم!..
وقد خصص كسرى لهؤلاء قائدا (وهرز أنو شروان) فكان عديد الجيش الكسروي أقل من ألف رجل تم نقلهم بواسطة ثماني سفن وصلت منها ست الي سواحل اليمن بينما غرق منها اثنتان.
وحدث هذا تقريبا عام 575 ميلادية وكما يذكر المؤرخ المسعودي في (مروج الذهب ومعادن الجوهر) فقد نزل هؤلاء بساحل حضرموت في موضع يقال له مثوب واتجهت القوة من (جنوب اليمن) الحالي غربا وجرى تجييش قبائل حمير ووقعت المعركة مع جيش مسروق الذي قتل لتنتهي سيطرة الأحباش على اليمن بعد أن دامت نحو 75 سنة كان أهم ما فيها محاولة هدم الكعبة المشرفة، ليتولى سيف بن ذي يزن الملك بإشراف الفرس مقابل جزية سنوية إلى كسرى!..
وانطلاقا من هذه السطوة الفارسية على بلاد اليمن أرسل أنو شروان رجالا لـ (اعتقال) النبي صلى الله عليه وسلم لجرأته بكتابة اسمه قبل اسم كسرى في رسالته التي تولت البحرين العربية المسلمة إيصالها إليه، والقصة معروفة في مختلف الصحاح التي تورد دعاء النبي بتمزيق ملك كسرى، ثم وصول وفد اعتقال النبي إلى المدينة ثم إبلاغ النبي لهم بأن ربه (الله سبحانه) قتل ربهم (كسرى)، وعودتهم إلى أنو شروان بالخبر ثم إسلامه وزوال سلطة الفرس عن اليمن وانضمامها لحومة دولة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم بعد سنوات قليلة محق امبراطورية فارس برمتها وعدم قيام قيامة لها أبدا.
باستثناء هذه المحاولة العرجاء لم يعتّب الغزاة جزيرة العرب بتقدير إلهي أكرم فيه هذه الأرض المباركة برجال مؤهلين لحمل رسالة الإسلام للبشرية، وقد أراد الله سبحانه أرضا معزولة عن الحضارات المتناطحة لتكتمل فيها رسالته ثم تنطلق إلى بقية أرجاء الدنيا، ولهذا أنشب الحرب بين أكبر امبراطوريتين (الروم والفرس) لتثخنا بعضهما البعض ولا تنتبها لما يجري في الجزيرة، وسجل الله سبحانه هذا في سورة الروم التي بشرت المؤمنين بالنصر بعد أن يتبادل هؤلاء وهؤلاء النصر والهزيمة بقوله تعالى: “غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ* لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ* وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ” الروم 2-6.
فهو وعد وتحقق بالنصر فيسجل التاريخ أول انتصارات النبي تزامنا مع نصر الروم، ومع ميل الكفة للروم حصل نصر بدر ومع فتح الروم للقدس فتح النبي مكة المكرمة (في نفس اليوم تقريبا).. الله أكبر.
وقد وقع الخطر على الرسالة مرة واحدة فقط وفي غزوة مؤتة، فالروم حشدوا 240 ألف رجل معظمهم من بهائمهم العرب لقتال جيش أرسله النبي عليه السلام، وهذا الجيش الصغير لما رأى قادته حشد الروم الهائل صمموا على القتال لأن الفرار – وهو قرار حكيم – معناه لحاق الروم بهم لإفناء المدينة المنورة، وهنا جاء الفرج من الله بموقع عجيب لالتحام الجيشين لا يمكن معه لجيش الروم أن (يحيط) بالعرب بل يبرز لهم من فضاء ضيق بين الجبال فلا يخوض كل الروم القتال في وقت واحد، لتتكسر سيوف الصحابة من كثرة ما أوقعوا بهؤلاء من القتلى وليطبق العبقري خالد بن الوليد خطة انسحاب مشرف ومرعب جعل الروم يفكرون مليا قبل خوض مغامرة تتبع جيش الصحابة الأبطال إلى تخوم دولتهم الصغيرة وعاصمتها حيث يقيم النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الخطر الثاني الذي وقع بعد سنوات قليلة فكان انتباه الروم والفرس كعدوين متنافسين إلى أن من يستهينون بهم سيمزقون ملكهم فعقدا حلفا عاجلا عبر زواج كسروي قيصري، ليتنبه إلى ذلك الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيقيم مفاوضات خدعة مع الفرس فينتهي عاجلا من معركة الروم ثم يميل عليهم فيسحق دولتهم ويستأصل شأفتهم مما هو أساس ولب الحقد المجوسي على عمر والذي أنتج الأكذوبة التاريخية المزعومة حول كسره لضلع الزهراء، فهذا – وهو أمر تفصيلي – يتناقض مع مقام عمر وعلاقته الوطيدة مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبيت النبوة عليه وأهله السلام ضمن تلفيق لا يليق بأخلاق الصحابة ولا حتى بالسياق الموضوعي للأمر من كون علي هو عضيد عمر وصهره ومشيره ونائبه ومرشحه الأول بعده، لكن تلك (الفبركة) كانت غطاء  لتأصيل (شرعي) لبغض ومقت والحقد على عمر مدمر الامبراطورية بينما هو غير مستحق هذا لمن لديه شعورا منطقيا وطبيعيا بالفرح للهداية إلى الإسلام.
لقد كانت الجزيرة أرض صناعة لرجال لا يمكن للبشر أن يجودوا بمثلهم، وساعد على هذا قسوة الطبيعة وتدرب على التحمل والصلابة والخشونة، مع عاطفة قلوب ومروءة وشرف واعتزاز بالأصل والنسب، وفوق ذلك فروسية شجاعة لا يمكن قهرها عندما تتجحفل برسالة الله العادلة إلى الناس جميعا.
وهذا ما رأيناه من هؤلاء الرجال الذي استشهد 80 في المئة من عوامهم و 60 في المئة من قادتهم ورموزهم بعد وفاة النبي أو معه في حومات الجهاد.
ولأن الرسالة رسالة رحمة وعطف فقد وسمت قسوة الجزيرة صفة العربي بالحنين والقلب الحي والتطابق مع وحدانية الله ورحمته وفطرة خلقه الأولى، ونجم عن هذا عادات رائعة تميز بها العرب كالإجارة وهي التي شفعت لسعد بن عبادة لما اعتقلته قريش بعد بيعته للنبي بل إن النبي نفسه استعان بها عندما استجار بعد موت عمه أبو طالب بالمطعم بن عدي (الكافر) الذي استجاب لطلب النبي حتى أن شاعر الرسول حسان بن ثابت رثاه عند موته رغم كفره!..
هذه هي الجزيرة التي يحقد عليها المجوس وأعوانهم من مبغضي العرب.. ألا خسئ كل عدو للعرب.

2 تعليقات

  • رايتك بيضاء يا ابو علي وكاشف لأطماع الفرس والترك من قديم الزمان، مقالاتك وأنا بعمر ال ٤٣ كنت اقراها بمجموعة والدي من الصحف والمجلات، وأشهد بالله بأنك عربي أصيل تحبذ عودة العرب للصدارة

أضغط هنا لإضافة تعليق