أقلامهم

صالح القلاب : العراق إلى أين؟!

تأخرت كثيراً معادلة ما بعد إسقاط نظام صدام حسين حتى انهارت على هذا النحو المزري، والذي بسبب تدخلات وتداخلات خارجية كثيرة، قد يعزز المحاصصة الطائفية والعرقية التي “تناهشها” المنتصرون، والحقيقة أنه كان هناك منتصران فقط هما: الأول الولايات المتحدة التي أحبط انتصارها باراك أوباما، والثاني إيران التي تسعى لما تعتبره “أمجاد” فارس القديمة، والتي أحدها هذا الانتصار ضد الرئيس الديمقراطي نفسه، الذي إما عن قصد وعمد وإما نتيجة خرقاء بائسة، قد أوصل سورية أيضاً إلى ما وصلت إليه.

لقد مر العراق، الذي “تحرر” بجنازير الدبابات الأميركية، في ثلاثة عشر عاماً عجاف، جففت الضرع وأنهكت الزرع، تكالب الفاسدون خلالها على أرزاق العراقيين كتكالب الأكلة على القصعة، وحولوا بلاد الخيرات ونهري دجلة والفرات إلى يباب وخراب وإلى أرض مجدبة التحقت بدول العالم التي غدت طاردة لأبناء شعوبها، وغدت “مصدراً” لملايين المشردين والمهجرين، وفي مقدمتها بعض الدول العربية!
الآن انتهى مشوار الثلاثة عشر عاماً، وبات العراق أمام استحقاقات جديدة، البعض يرى أن حقائقها لا تزال في عالم الغيب، رغم أن هناك من يراهن على أن انتفاضة السيد مقتدى الصدر ستأخذ بلاد النهرين إلى غد قريب واعد، لكن وحتى يمكن الجزم، إن في هذا الاتجاه أو ذاك، فإن السؤال الذي سنرتب على جوابه أموراً كثيرة هو: هل هذه الانتفاضة المباركة ستكنس الاحتلال الإيراني وتضع نهاية فعلية له أم أن الكف لن تستطيع مواجهة المخرز، وان المنتصر في هذه الجولة سيكون حراس الثورة الإيرانية و”زبائنهم” الحشد الشعبي وعصائب أهل الحق وهادي العامري ونوري المالكي؟

لا يزال غير واضح على أي بر سترسو الأمور المضطربة في العراق، فالمواجهة الفعلية لا تزال في بداياتها، وهناك أطراف متعددة تتنافس على الكعكة العراقية، والواضح أن الأشقاء الأكراد خسروا حصتهم المجزية في معادلة بول بريمر، التي تقاسم على أساسها، الذين اعتبروا أن الانتصار الأميركي هو انتصار لهم، الغنائم، ويقيناً إن هؤلاء الأشقاء ارتكبوا خطأ قاتلاً عندما وضعوا أنفسهم في الكفة التي اعتقدوا أنها هي الرابحة، والتي ستبقى رابحة مقابل الكفة الخاسرة والتي ستبقى خاسرة وهي كفة العرب السنة.
ولذلك فإن المفترض أن تكون هناك إعادة سريعة للحسابات من قبل القائد التاريخي للشعب الكردي الرئيس مسعود البارزاني قد أظهرت مواجهات “طوزخورماتو” أن إيران تستهدف إقليم كردستان – العراق وقيادته، وأن ما جرى في أغسطس عام 1996 قد يتكرر، ولكن بموازين قوى عراقية وإقليمية غير موازين القوى القديمة، وحيث إنه غير مستبعد أن يتسم موقف باراك أوباما بالميوعة نفسها التي أصبح يتعامل بها مع الأزمة السورية ومع القضية الفلسطينية ومع كل قضايا هذه المنطقة.
لقد أصبح كل شيء في العراق واضحاً ومعروفاً، فالمعركة الحقيقية هي مع إيران التي غدت دولة محتلة احتلالاً مباشراً لبلاد الرافدين، والتي وصل تمددها إلى سورية وإلى اليمن وإلى لبنان… وبالطبع إلى إقليم كردستان – العراق، من خلال جيوب السليمانية العميلة المعروفة، وهذا يتطلب مراجعة لكل حسابات ما بعد عام 2003 وبسرعة، فالأحداث تتلاحق بسرعة البرق، وهناك مستجدات بأبعاد خطيرة في كل لحظة… ولذلك فقد غدا السؤال المطروح هو: العراق إلى أين؟!