أقلامهم

عدنان فرزات : حتى الكراهية تحتاج ذكاء

قبل أيام عدة كان أحد العاملين في المنظمات الأممية الإنسانية يتحدث في مبنى مجلس الأمن الدولي عن تفاصيل دقيقة لمنظر المستشفيات والمباني التي تم تدميرها في حلب، كان يتحدث عن أدق التفاصيل، حتى عن مصباح يتدلى من السقف، بينما الحاضرون يتفرجون وينصتون كأنهم يتابعون فيلماً سينمائياً لمخرج أفلام الرعب ألفرد هيتشكوك.
وتماماً مثلما يكون المشاهدون للفيلم عاجزين عن فعل شيء للضحية التي بداخل الشاشة، كذلك بدا المتحدثون والحاضرون لهذا الاجتماع، مجرد «شعراء رثاء» على قبور تمتلئ بأشخاص
لا يعنوهم بشيء سوى أن وظيفتهم الأممية تحتم عليهم تأبينهم وشرح مأساتهم من باب عدم التقصير في الأداء الوظيفي، خصوصاً أمام الكاميرات.
من مستلزمات هذا «الحزن الوظيفي» أن تكتسي وجوه الحاضرين مسحة من الحزن، وأن يذبّلوا عيونهم كأنها في حالة ما قبل البكاء بقليل، ثم يستل بعضهم أوراقه الممتلئة بالأرقام: «مقتل أكثر من 730 موظفاً طبياً وإلحاق أضرار بأكثر من 250 منشأة طبية في سوريا». تماماً بالدقة نفسها التي يعرفون أين كان يبيت أحد قادة تنظيم داعش ليلته في محافظة الرقة، ليصطادوه بطيارة من دون طيار، وتماماً كما يعرفون عدد المقاتلين الأجانب الذين التحقوا بصفوف جماعات متطرفة في سوريا، إنهم يعرفون كل شيء، وأنا على يقين بأنهم يعرفون حتى حجم جرعة الأنسولين التي كان يأخذها أسامة بن لادن.
لذلك فهم يعرفون أهمية حلب، التي كانت نموذجاً لأمرين مهمين: الأول هو مزيج مدهش من التعايش بين الأديان والطوائف والعرقيات، فعلى هذا الرصيف يوجد مسجد، وعلى الرصيف المقابل له توجد كنيسة، والأمر الثاني أنها كانت مدينة صناعية وتجارية وأشطر الصناعيين فيها كانوا من الأرمن.
لو أن الذين خربوا حلب يتمتعون بنظرة عدائية ذكية لكان منذ البداية دمروا فقط حلب من دون مناطق سوريا، لأن تدمير حلب يغنيهم عن تدمير معظم المحافظات الأخرى ويوفر عليهم الملايين من أسعار القذائف التي سقطت في أماكن أخرى، فحلب هي عصب سوريا في: التجارة، الصناعة، التاريخ، الثقافة، الفن، السياحة، الثروات الزراعية، الموقع الاستراتيجي.. وبالتالي فإذا دُمِّرت مثل هذه المدينة فكأنما دُمِّر الوطن بأكمله.
أيضاً فإن تدمير حلب لا يعني فناء طائفة واحدة أو مذهب واحد، حيث يتجمع في الكيلومتر الواحد مختلف أصحاب الديانات والطوائف، أي هي فرصة كبيرة لأعداء التعددية أن يجدوا كل هذا التنوع في مساحة سقوط صاروخ واحد لا أكثر.