أقلامهم

إبراهيم المليفي: أنا المواطن المطيع، أسمع وأطيع ولا أعرف غير السير مع القطيع، آكل وأشرب ولا أنام قبل النشيد.

الأغلبية الصامتة: الوسواس الخنّاس
إبراهيم المليفي
أنا المواطن المطيع، أفرّ من مجالس تذكر فيها عبارات الخروج من حظيرة الولاء، وأحارب جاحدي النعم وناكري «الفضلات» حتى لو خرج كل القطيع، أستعيذ بالله من وساوس الشيطان الرجيم، وأردد المقولات الخالدة «شيبي هالشعب؟ شيبي؟ قروض وبيوت ومواد تموينية وماء وكهرباء معطينهم».
أنا المواطن المطيع، أسمع وأطيع ولا أعرف غير السير مع القطيع، آكل وأشرب ولا أنام قبل النشيد، شعاري الدائم نهاراً “كن موالي ولا تبالي”، وبالليل “من خاف سلم”، وبين الحين والآخر أرفع شعارات مرحلية كـ”السمع والطاعة” و”الشيوخ أبخص”.
أنا المواطن المطيع، ورثت الطاعة من أبي المدمن على مقالات “العميد”، ورضعتها من أمي المسحورة بمنطق قناة “ربنا ياخدك يا بعيد”، لا أملك حساباً على المدعو “تويتر”، ولا أريد الخوض في السير، فكل الكبار ملائكة، وكل الصغار ملائكة، والأمانات مؤداة، والحقوق “مصونة”، وكل مواطن يعلف أكثر من “صمونة”.
أنا المواطن المطيع، لا أقرأ غير الجريدة الرسمية، ولا أصدق غير الإذاعة والتلفزة الحكومية، الميّت عندي حيٌّ حتى يعلنه المذيع “ماجد الشطي” ميتاً، والحيّ عندي ميّت ما لم أخطر بكتاب رسمي، أمقت العصاة المارقين، أفرّ من مجالس تذكر فيها عبارات الخروج من حظيرة الولاء، وأحارب جاحدي النعم وناكري “الفضلات” حتى لو خرج كل القطيع، أستعيذ بالله من وساوس الشيطان الرجيم، وأردد المقولات الخالدة “شيبي هالشعب؟ شيبي؟ قروض وبيوت ومواد تموينية وماء وكهرباء معطينهم”.
أنا المواطن المطيع، لا أرفع عيني بعين أي مسؤول، وأخضع لكل “بشت مفلول”، ورئيس القسم عندي بمكانة رئيس الوزراء لا يسمع مني غير “حاضر طال عمرك” و”أبشر”، لماذا؟ لأن قلبي مختوم بشعار الدولة، و”قفاي” موشوم بكلمة “مساح”، متعتي الوقوف في الطوابير، أهنئ وأعزي وأكافح و”أنافخ”، لا أكتفي بالمصافحة، وأهمّ بالتقبيل ولحس الأيادي والقمم.
أنا المواطن المطيع، الناس يتهامسون من حولي، هذا “مساح” أصلي، أسمعهم وأرد بثقة، بلى “مساح” وأفتخر ومن أنتم؟ الشيطان الرجيم يعاود سلوكه الأزلي ويوسوس لي بأسئلة:
أين من تدافع عنهم وحالك على حاله: تسكن في جحر وضيع، ولديك من الأبناء كمٌّ ورضيع، والمال من حولك يوزع على كل سافل ووضيع؟
أين فتاوى المشايخ الأجلاء؟ أين بيانات أصحاب الدواوين “المبخرة”؟ ما لي أراهم لا يركزون سوى على طعامك وشرابك وأشياء أنفي أني وسوست لهم فيها؟ فهل هناك شيطان غيري كسر احتكاري وأخذ مني وكالة “الوسواس الخناس”؟!
أعوذ بالله، أعوذ بالله، أنا المواطن المطيع، لا أريد غير الستر، أشباهي يبتلعون حبوب منع الحمل، وأنا أتناول حبوب منع المعارضة، الدنيا ربيع والجو بديع وعيدكم مبارك.