كتاب سبر

” ألقاب بلا حدود”

لو جلس ينظر إلى مباراة رياضية، مدرب ولاعب سابق ومشاهد عادي،لاشك أن لكل واحد منهم تقييماً يتفاوت عن الآخر،باختلاف معرفته وخبرته،ولاشك أن التقييم الأصوب يرجع للأكثر خبرة،ولايلتفت لأقلهم  ولو كان أكثرهم حماساً أو أشدهم صياحاً..هل من يخالفني في ذلك؟
 لن أكتب إلى من يخالفني وأقول:
اللقب زيادة بيان لموصوف،إما أن يكون مطابقاً لماوضع وإلا كان كذباً،على اعتبار أن الكذب هو الإخبار خلاف الحقيقة،قصده قائله أم لم يقصده.وهذا مما لايدركه الكثيرون من مانحي الألقاب،الذين يعتمد”تبرعهم”على شدة تعلقهم دون النظر لمعرفة حال”المحبوب” ، فكانوا كما قال مجنون بني عامر:

                  أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى              فصادف قلباًفارغاً فتمكنا
فتراهم كلما ازدادوا حباً كلما ازدادوا سخاءً في تبرعهم.
والمُعجب الخطير في الأمر،أن تعلقهم”بمحبوبهم”يجعل منهم الأشد بغضاً لمخالفه !! وهذه آفة من الآفات الكثيرة التي بُليت بها الأمة،أن يكون قرارها قراراً عاطفياً،هذا القرار الذي هو دائماً أشد القرارات إصابة للخطأ.
إن القرار العاطفي لايحده حد ولايضبطه شرط،لأنه قرار لايخضع للعقل بل قرار تصدّره المشاعر،إنه القرار المصنوع بالرضا،إنه قرار العين الكليلة التي إن رَضِيت كلّت عن كل عيب،وإن سخطت أبدت المساويا.
إن الأمة اليوم تعيش وفرة الاسم وندرة المسمي..كلنا يسمع أو يقرأ لأسماء غالباًمايسبقها ألقاب كالدكتور،والعلامة،والمحدث،والإمام،وهذه لاتصدق على مسماهاغالباً، إن لم تكن البتة. ولإن صدق لقب الدكتور على بعض مسماه،فما ذكرتُ بعده منها هي ألقاب من تاريخ أمتنا المجيد،معدومة على الحقيقة لا على التقريب.
فالإمام: من كان متبوعاً كالأئمة الأربعة أو من كان قريباً من رتبتهم أو شهد له من كان قريباًمن رتبتهم،كالإمام النووي،والإمام ابن تيميه،أو ابن قدامة،والقاضي عياض،والسعد التفتازاني،وأمثالهم.
وأماالمحدث:  فيصفه الحافظ السيوطي في تدريب الراوي بأنه:”من عرف الأسانيد والعلل وأسماء الرجال،والعالي والنازل،وحفظ مع ذلك جملة مستكثرة من المتون وسمع الكتب الستة،ومسندأحمد بن حنبل،وسنن البيهقي،ومعجم الطبراني،وضم إلى هذاالقدر ألف جزء من الأجزاء الحديثية،هذا أقل درجاته،فإذا سمع ماذكرناه، ودار على الشيوخ،وتكلم في العلل والمسانيد والوفيات،كان في أول درجات المحدثين.” إهـ
وفي ذلك يقول الأستاذ أحمد شاكر معلقاً-ولست بأنا- في الباعث الحثيث لابن كثير:
“وهيهات أن تجد في عصرنا من يصح أن يكون محدثاً”.
وأماالعلامة: فحدّه ماقيل:      وكان من العلوم بحيث يُقضى        له من كل علمٍ بالجميع
أي أنه إذا تكلم في العلم فهو إمام في كل فن فيه.فمن بالله عليكم من يعيش أو مات في عصرنا
من يصدق عليه هذا الوصف ؟!!
فانظر مدى سخاء هؤلاء العاطفيين في منحهم الألقاب”لمحبوبيهم” ؟!
إنني أظن أنني استثرت عاطفة بعض أهل العاطفة ممن أبى إلا أن يقرأ ما طلبت منه ألا يقرأ،لذلك أجدني مضطراً أن أؤكد أنني فقط في معرض البيان لخطأ فادح يمارسه أبناء الأمة،وذلك في اعتماد العاطفة ضابطاً لتقدير الرجال،والذي بالتالي يودي لتقديسهم ليلزم منه أن يكون القول قولهم دون اعتبار لأقوال الآخرين،وأن ذلك قد قسم أبناء الأمة إلى متّبعة ومبتدعة،بتصنيف ليس منضبطاً بما يقرره العلم،بل بما يراه هؤلاء “الأئمة والعلاّمات والمحدّثون” ليتلقفه المحبون ،هذا التصنيف الذي جعل أبناء الأمة يتباغضون ويفترقون على أوهام صنعتها العاطفة،ومكن لها الجهل،جهل القائل بجهله،وجهل بعض من صدق هذا القائل بجهله وذلك ماحذر منه أهل الحكمة حين قالوا: لايغلبن جهل غيرك بك،علمك بنفسك.