كتاب سبر

ثقافة الثورجية -1

في عصرنا هذا اشتهرت الشعوب بصفة مميزة قالصينييون اشتهروا بالثورة الصناعية، والغرب بشكل عام بالثورة العلمية والتقدمية، والجنوب أمريكيين في الثورة الرياضية أما العرب مؤخرًا ذاع صيتهم بين الآفاق بالثورات السياسية حتى صار وتيرها يتصاعد وتجر الثورة ورائها ثورةً أخرى، حتى غدت المنطقة كالسعير نسمع تهليلًا وتكبيرًا ونرى رؤوسًا تقطع ودماء تسيل وضربًا وقمعًا، والنتيجة إلى يومنا هذا مساوية للصفر، لا يقف أي عاقل ضد ثورة نقية تسعى لإسقاط الظلمة والمفسدين، وتسعى للمساواة والعدل بين أفراد المجتمع يرفع فيها الكفاءات ومن لا يخشون في الله لومة لائم ويحاسب فيها الظالمون والمفسدون، لأن مثل هذه الثورات واجب لأنها تحقق الغاية الإلهية: “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون”.. وفي ذات الأمر: “لقد أرسلنا رسلنا بالبينات، وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس”.. ومن يتفكّر قليلًا سيجد أن إقامة الناس للقسط أردفت ببأس الحديد الذي قد تتطلبه على الأغلب، خصوصًا عندما يصل الأمر للصدام بين فريق الخير وفريق الشر.
مصطلح “الثورجية ” قد يسميه الآخرون على القائمين بالثورة، وهم وقود الثورات، لكني قد اختلف معهم قليلًا في تفاصيل أكثر، لأقول أنهم “مثارون على الثورة.. فثاروا”، فأصبحوا ثورجية والتاريخ يشهد بأننا فعلًا ” ثورجية”، فبالزمن القريب جدًا ثار العرب والأعراب ضد الخلافة العثمانية التي كانت تحكم أغلب بلدان العرب والمسلمين، ليأتي بديل عنها استعمار بريطاني وفرنسي وإيطالي، على إثره اغتصبت فلسطين لينشأ كيان صهيوني فيها يعرف اليوم بإسرائيل، وأصبح هذا الكيان الحديث ضمن الدول المتقدمة الكبرى، بينما محيطه من الدول العربية والإسلامية يتردى من سيئ إلى أسوأ، وكلما قامت حرب قالوا أنها الطريق لفلسطين، كما علل ذلك الطاغية صدام حسين غزوه للكويت، ولكننا إلى اليوم نرى أن هذا الكيان الصهيوني هو الأكثر أمانًا واستقرارًا باختلاف عرقياته من الأشكناز والسفارديم والعبرانيين والفلاشا والمرزاحيين واختلاف مذاهبهم من أرثوذكسية وإصلاحية ومحافظة.
لعل أكثر لسان قومنا: “نحن لمظلومين ونعيش أشد ممارسات الطغيان، ولكننا لا ننجح وإن نجحنا لا نحقق الغاية من الثورة”.. وهو أمر وجيه، ولعلنا في هذا المقال ذكرنا بعض المفاتيح، لكن الأكثر قادم في هذه السلسلة المتسلسلة من المقالات التي قد تشير لأمور عديدة غفل عنها الكثير ودمتم سالمين.
بقلم.. عبدالرحمن العزي الاعرجي الحسيني