كتاب سبر

وزارة الدفاع.. متى الإبداع؟

للمؤسسة العسكرية في نفسي الكثير من الحب والذكريات الطيبة التي لم تغب عن ذهني وعقلي لحظةً واحدة، فكيف تغيب وهي التي اختزلتني ما يقارب الثلاثين عامًا إلا قليل. 
 كم هي الأيام سريعة ودورة الزمان قصيرة، مرّت كأنها لمح البصر بحلوها ومرها، والآن وبعد ان ترجّل الكثير من الزملاء وجب علينا أن نساهم بالرأي ولو من بعيد حبًا في هذه المؤسسة التي أخذت أجمل سنوات العمر، ولكنها تركت الأثر الطيب والكرامة والعزة والشموخ في نفوس رفقاء السلاح وأصدقاء الزمن الجميل الذين لازالت لهم في النفس من المحبة الشيء الكثير. 
لم تكن هذه المؤسسة من الوزارات التي يكثر حولها اللغط دائمًا رغم عقودها المليارية، ولهذا أسباب كثيرة قد نتطرّق لها في مواضع أخرى، ولن أرجع للتاريخ لأذكر مناقب من سبقوا ولهم الفضل الكبير في رفع شأن هذه المؤسسة طيبة الذكر،  بل سأخوض في الحاضر وهو ما يجب أن نلتفت له ونطالب به، وما شجعنا في خوض هذا الحديث هو وجود معالي الوزير الفريق الركن خالد الجراح علي رأس هذه الوزارة المهمة، وهو الذي عُرف عنه الانضباط الأخلاقي والعسكري وتدرجه في المناصب والتشكيلات العسكرية منذ البدايات، حتى وصل لما يستحق وهو رأس الهرم وهذا تدرّج رائع لا يجب أن يمر مرور الكرام.. وإن لم ترتق هذه المؤسسة علي يد هذا الوزير المحترم ورئيس أركانه المنضبط الذي جاء اختياره اختيارًا موفقا.. فلن ترتقي أبدًا، ولهذا اسباب عدة. 
فمعالي الوزير ابن هذه المؤسسة من ألفها إلي يائها، وليس هناك أحد يعرف تفاصيلها الدقيقة مثله، وما أعرفه جيدًا إن طموحه بلا حدود للارتقاء بهذه المؤسسة، ولهذا أرى بأن المستقبل سيكون رائعًا إذا أرادوا الارتقاء بها، وعقدوا العزم.. وبتعاون من الجناح العسكري الممثل برئاسة الأركان وعلي رأسها الفريق الركن عبدالرحمن العثمان.
 
ذهب من ذهب من خيرة الضباط بسبب قرار أعمي وأرعن لم يراع به سوي حل مشكلة كانت قائمة، مما أدى إلى خسارة الجيش الكثير من القيادات الوسطى الرائعة والمتعوب عليها جهدًا ومالًا، وهذا ليس موضوعنا، فما جرى لن يعيد تصحيح الخطأ، ولن نناقش الماضي فالبركة في الموجودين. 
وتبقى الأولوية الآن في إعادة تنظيم الهياكل للوحدات المختلفة وتسكين الكفاءات في المناصب القيادية، لكي تبدأ عجلة الدوران برتم أسرع من المعتاد، وبفكر متجدد بعيدًا عن الأسلوب التقليدي القديم، وأن تكون هناك رؤية واضحة وشفافة واضحة المعالم لمستقبل مشرق مبني علي العلم  وتسخير التكنولوجيا المتطوّرة لخدمة أهداف الجيش القريبة والمتوسطة والبعيدة، فالجيوش الآن ليست بالكم بل بالكيف وهذا هو ما أحب ان أتطرّق وأركز عليه. 
ما أتمناه هو الاتجاه لفتح كليات تطبيقية موازيه للكلية العسكرية علي ان تكون تخصصية وفي المجالات الفنية والإدارية التي تحتاجها القطاعات العسكرية، وغيرها على أن تكون شهادتها تعادل الدبلوم في تخصص معيّن، ولها كادر خاص وليست علي نمط المدارس الفنية الموجودة الآن، وان تكون بعيدة عن النظم واللباس العسكري المعتاد، وهذا قد يجعل هناك قبول من قبل خريجي الثانوية العامه للانخراط في هذه المعاهد الفنية المتخصصة والتي قد تنفعه أيضاً في حياته العامة مستقبلًا. 
وأيضاً بالإمكان إرسال المتفوقين لنيل أعلى الشهادات ليصبح لدينا خبراء في أغلب التخصصات، والتي ستنعكس علي الدولة أيضًا، ليصبح الجيش مرجعًا فنيًا أمنيًا، لكل ما تحتاج له البلاد من التخصصات النادرة.
العلم يتقدّم والحروب أصبحت تكنولوجية وشبابنا لم تعد تستوعبهم الجامعات ولا المعاهد والتي تخرج شهادات فقط وليس فكر وصنعة.. إلى متى ونحن نفكّر بالأسلوب التقليدي العقيم، في ظل توفّر الإمكانيات والعقول والفئة العمرية المناسبة. 
فبدلًا من التفكير في عودة نظام التجنيد الإلزامي والذي أثبت فشله، علينا أن نفكّر بالكيفية التي نستقطب بها هؤلاء الشباب للعمل في هذه المؤسسة المحترمة، دامجين بين شرف العسكرية وانضباطيتها والعمل الفني بمدنيته.
 
كلّي ثقة بفكر بمعالي الوزير المحترم، وأعرف جيدًا عقلية رئيس الأركان الرائعة وانضباطيتهم، ولكن العمل يحتاج القرار المناسب في الوقت المناسب، وهذه صفات القيادة الناجحة.. كما علمتمونا سيدي.