آراؤهم

عبدالله العنزي.. يكتب: عن كثب نظرة في العمق الإنساني

الناس معادن خيارهم أفقههم ، وكل إنسان صندوق مغلق على ما فيه ، وقديماً قالوا المرء مخبوء تحت لسانه فإن تكلم عرف ، ومن تصدى للعمل مع الناس علم علم اليقين أن الناس متفاوتون نوعاً وكيفاً ، وأن الأمزجة مختلفة وصدق الله إذ يقول ” ولوشاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ” ويعلم كل خبير بحال الناس أن ما يصلح لفلان من العلاج لسلوكه قد لا يصلح لغيره ، فالبيئة متغايرة والقناعات متفاوتة ، ولذلك وضع أهل الخبرة مقدمات لتقويم أي سلوك معوج ، أساسها معرفة البيئة المحيطة ، وهل أقدم على هذا السلوك تقليداً لغيره أم اقتناعاً بفكرته؟، وعليه يتم التعاطي مع الموضوع ، فإن كانت البيئة هي المؤثرة على سلوكه سلباً أتى العلاج عن طريق نقله من بيئته وغرسه وسط بيئة صالحة تقوّم سلوكه ، ومن هنا ندرك عظمة التشريع الإسلامي الذي فرض على الزاني غير المحصن جلد مائة وتغريب سنة كاملة ، وذلك لينشأ بين مجتمع لا يعرف خطيئته فيعّيره بها أو يتعامل معه بقسوة فيزداد بعداً عن التقويم والإصلاح ، وكم كانت البيئة وتغييرها عاملاً مهماً فيه بل وأساسياً في استمرار الذنب على جريمته حين لم ينكر أحد من قومه فعلته حتى استمرأ الذنب ولم يشعر بألم الندم لحظة واحدة ، ويدل على ذلك قصة الرجل الذي قتل مائة نفس فلما أراد التوبة قال له العالم الخبير ومن يحول بينك وبين التوبة ، غير أن أرضك أرض سوء فاذهب إلى أرض كذا فإن بها قوماً يعبدون الله فاعبد الله معهم فختم له بخير ، ولذلك كانت الرقابة المجتمعية من أكبر الحلول لاستقامة الفرد ، وذلك بسنّ التشريعات التي تعظّم الحرمات وتحذر من ارتكاب المنكرات ، فلا يستطيع من همّ بالفاحشة أن يجدها سهلة ميسرة بل هي مستحيلة في ظل هذه الرقابة المجتمعية الصارمة ، وحتى يكون العلاج يانعاً ناجعاً يؤتي أكله وثمرته يجب أن يتوفّر له شرطان ، أولهما صدق الفاعل وإخلاصه وثانيهما قبول المحل وهو المريض واقتناعه ، وكم كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم حكيماً ناجعاً لكل داء دواؤه ، فربما تغير العلاج من فرد لآخر على الرغم من أن التشخيص واحد ، فها هو صلى الله عليه وسلم يصف علاجاً لرجل قال يا رسول الله أوصني فقال صلى الله عليه وسلم لا تغضب ، وجاءه آخر فقال يا رسول الله أوصني فقال له ” قل آمنت بالله ثم استقم ” وذلك تبعاً لمعرفته صلى الله عليه وسلم بحال أصحابه ونفوسهم ، وقد كان صلى الله عليه وسلم حكيماً رؤوفاً بشاب أتاه يستأذنه في الزنا فلم يعنفه وإنما خاطب عقله ورجولته فقال أترضاه لأمك ؟ أترضاه ، أترضاه ؟ حتى انتزع منه الإجابة والرضا ، فصلوات ربي وسلامه عليك يا رسول الله يا خير معلم ويا خير رسول .
@Dr_Al_Enezi