كتاب سبر

وهم الفكر المحافظ

انتشر في هذا الوقت مصطلح (الفكر المحافظ) أو الإسلام المحافظ، ويقصد حاملي هذا المصطلح أنهم يتبنون الإسلام كمنهج فكري، وهنا تبرز بعض التساؤلات حول صحة هذا المفهوم.
هل الإسلام وحده غير كافٍ كتعريف عن الإنتماء؟ كأن أعرف بنفسي (مسلم) فقط.
هل الإسلام فعلاً يحتوي على محافظون ومتجددون و متحررون؟
هل هذا التعدد -إن وجد- أمر صحي للدين أم أنه يسيء تقديم الإسلام؟
لا أستطيع أن أخفي رفضي عن مصطلح “المحافظة” لعدة أسباب، منها أنه على ماذا نحافظ؟ إن كان المقصود الدين كعقيدة فالذي لا يحافظ على عقيدته لا يعرف نفسه أساساً أنه على مسلم، وإن كان المقصود المحافظة على مبادئ الدين وثوابته فهذا يكفيه تعريف نفسه بأنه “مسلم”. لكن المصيبة في رأيي إن كان المقصود هنا هو المحافظة على العادات والتقاليد الإجتماعية مع الدين! وللأسف هذا ما نراه دارجاً فاختلط عند الناس مفهوم الإسلام ومفهوم المحافظة على العادات والتقاليد.
وهنا نسأل: عن أي عادات وتقاليد؟
قبل أن أكمل علينا أو نفرق بين العادات والتقاليد من جهة وبين التراث من جهة أخرى، فالتراث منتج البيئة والجغرافيا والإنسان الذي يميزها عن باقي المناطق. أم المحافظة على التقاليد الإجتماعية فمحافظوا الأمس اختلفت عاداتهم وتقاليدهم عن محافظوا اليوم، فهل فشلوا أم ناقضوا أنفسهم؟ وهل يدعوا الإسلام للمحافظة على العادات والتقاليد الإجتماعية؟ حاولت البحث عن نص أو أثر يدل على ذلك من التراث الإسلامي فلم أجد. فهل فعلاً علينا أن نحافظ على عاداتنا وتقاليدنا؟ وهل هذا ممكن أصلاً؟
إن الإسلام في أصله وجوهره لدين متجدد يدعوا  للتغيير والتطوير، ومن خصائص هذا الدين أنه قادر على التعايش مع تغير العادات والتقاليد مادامت لا تمس ثوابت الدين المتفق عليها بالنصوص القطعية لا الآراء الفردية. ففي الحديث النبوي الشريف الذي رواه أبو داود في سننه (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) والتجديد هنا احتمل عدة تفاسير منها أن يعيد للناس فهم الدين من جديد، ومنها أنه يأتي بمنهج جديد لتطبيق الدين بعد التغيرات التي تطرأ على المجتمعات في كل مئة عام، هذا النص إما دليل على تجدد الدين نفسه، أو إقرار بأن المجتمعات تتغير، فلو كان تجديد الدين يعيد المجتمعات للأصل لوجدنا هذا المجتمع في كل مئة عام يعود مرة أخرى نسخة كربونية لأول مجتمع مسلم وهذا ما لم يحدث.
ونشأ لبس كبير بين الإنفتاح على المنتجات الحضارية والمدنية وبين نسخ المعتقدات الدينية، فأصبحنا نعتقد أن كل منتج غربي مصدره عقيدة دينية. على سبيل المثال، ففتاوى تحريم لبس البنطال لأنه تشبه بالكفار جاءت ممزوجة نتيجة تعصب حضاري لا ديني، فماذا لوكان لابس البنطال مسلماً أوروبياً فهل سيكون ذلك حلالاً؟ وهل هذا المنتج هو نتاج معرفة دينية أو حضارية؟ بل حتى الإحتفال بأعياد الميلاد، حرمت لسببين إما لأنها تشبه بالكفار مع أنها ليست تراثاً دينياً أو لأن أطلق عليها مصطلح “عيد وللمسلمين عيدين فقط، فتلاعبنا على الإسم وأسميناه “يوم ميلاد” فأصبح حلالاً عن الكثيرين. فعندما طلب مشركوا الجزيرة تغيير إسم الجزية إلى أي اسم آخر لأنهم يشعرون بأنهم أقل درجة من المسلمين فقبل ذلك عمر الخطاب وقال: رفضوا الإسم ورضوا بالمسمى! بل إن النبي تجاوز ذلك إلى درجة أنه تراجع عن إعلان تشريع وحكم جديد حول جماع المرضع فقط لأنه لاحظ أن الروم وفارس يفعلون ذلك فقلدهم، ففي ما جاء عن جدامة بنت وهب الأسدية أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لقد هممت أن أنهى عن الغيلة –جماع المرضع- حتى ذكرت أن الروم وفارس سصنعون ذلك فلا يضر أولادهم). علاومة إى ذلك فأخذنا ففنون الفرس في الحرب، نظام الدواوين في عهد عمر، بيت الحكمة العصر الأموي المأخوذ من الروم.
لو كانت مشيئة الله أن يحافظ كل قوم بما لديهم من عادات، فلم كان هذا التعدد في البشر؟، ولم لم نُخلق قوماً واحداً، وليس شعوباً وقبائل “لتعارفوا”؟ فهل التعرف هنا من قبيل التحية والسلام أم تزاوج الأفكار بالأفكار؟
إن مفهوم الفكر المحافظ تتعارض في أساسهاً مع جوهر الدين ومقاصده، فكيف تكون مسلماً تتطلع لكل ما هو جديد في النتاج البشري وفي نفس الوقت محافظاً ترفض التجديد والتغيير، وهل تعتقد أنك أعلى منزلة من باقي الأمم والحضارات لكي تصدر فقط ولا تستورد؟ أنت مخطئ. فهذا يتناقض مجدداً مع النص القرآني (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا).
أنا مسلم إذا أنا متغير