كتاب سبر

جابر المبارك و”عيش” الحسينيات

أثار كلام النائب عبدالله التميمي في برنامج المنصة الذي يقدمه الإعلامي عمار تقي في موضوع أخذه لأموال من مجلس الوزراء لصرفها على الحسينيات وأيضاً كمساعدات للطلبة وغيرهم عاصفة من ردود الأفعال وصلت إلى حد الإعلان عن تقديم استجواب لرئيس الوزراء جابر المبارك من قبل النائبين رياض العدساني وعبدالكريم الكندري على خلفية هذا الموضوع. قصة “المساعدات” التي أوصلها النائب التميمي للحسينيات ليست جديدة، وإنما تعود إلى شهر محرم الفائت عندما ظهرت على مواقع التواصل الإجتماعي صورة لظرف مكتوب عليه أسم إحدى الحسينيات مختوم بختم النائب التميمي وأمام الظرف كرت رئيس الوزراء، ولكن ما سبب الضجة الكبرى الحالية هو إقرار النائب التميمي بذلك علناً وعبر وسيلة إعلامية بأنه تسلم مبالغ مالية من مكتب رئيس الوزراء بعد أن قال له رئيس الوزراء أنه “يحب عيش الحسينية ويبي يتبرع للحسينيات”، بل أنه “يفتخر ويتشرف” أنه يقوم بهذا العمل، وزاد الطين بلة أن التميمي أتهم غالبية نواب الشيعة بأنهم يقومون أيضاً بأخذ أموال من رئيس الوزراء وكأنه يريد أن يطبق المثل القائل “أبتر بين البتران”.
قضية النائب التميمي و”مساعدة الحسينيات” خطيرة من جهتين. الجهة الأولى أنه هل من وظيفة عضو مجلس الأمة أن يتقدم بطلبات مساعدة لمجلس الوزراء أو أن يقوم بمهمة توصيل “مساعدات” إلى الحسينيات؟! كيف لنائب يفترض به أن يحاسب الحكومة بما فيها رئيس الوزراء في حين أنه يقوم بمهمة “مطراش” لرئيس الوزراء؟! وثانياً ألم يكن بإمكان رئيس الوزراء بما يملك من جيش جرار من المساعدين أن يوصل “مساعداته” للحسينيات بصورة مباشرة إذا كان لهذه الدرجة يحب “عيش الحسينيات” كما يقول؟ أم أن “فعل الخير” لابد أن يمر عبر نائب؟! وتالياً بأي حق يصرف رئيس مجلس الوزراء “مساعدات خيرية” من مكتبه كرئيس مجلس وزراء، فإذا كان قلبه بالفعل متعلق بفعل الخير فلينفق من ماله الخاص وليس من ميزانية مجلس الوزراء. موضوع الأموال التي تقدم من قبل رئيس مجلس الوزراء لنواب في مجلس الأمة تعيد إلى الإذهان قضية “الإيداعات المليونية” التي اسقطت حكومة ناصر المحمد، وقد لا تقل خطورة عنها، بل قد تفوقها خطورة لأنها هذه المرة تتعلق بمراكز دينية.
الجهة الثانية في خطورة الموضوع أن “مساعدات” رئيس الوزراء للحسينيات تحمل شبهة واضحة لاستغلال هذه “المساعدات” في أغراض غير خيرية، فقد جرت العادة أن من يريد أن يتبرع من الشيوخ للحسينيات أن يقوم بإيصالها إلى الحسينيات مباشرة، وقد كانت هذه التبرعات تأتي على شكل “عيش ولحم” كنوع من المشاركة المعنوية لا أكثر، ولم تكن تقدم على شكل أموال نقدية عبر عضو مجلس أمة. عموم الشيعة يعلمون أن الحسينيات وخاصة في المواسم الدينية ليست بحاجة إلى “مساعدات” فالمتبرعون كثر جداً، وهناك فائض كبير جداً لدى غالبية الحسينيات للصرف على مجالس العزاء الحسينية، وهذه التبرعات تأتي بكثافة شديدة من متبرعين يبتغون الأجر والثواب. وبالتالي فإن الحسينيات ليس بحاجة إلى “مساعدات مشبوهة”، ولكي نحافظ على إستقلالية الحسينيات وأداء رسالتها النبيلة يجب ألا ندخلها في دهاليز المصالح والحسابات السياسية والانتخابية، وإلا فإن الأمر قد ينتهي إلى أن نبكي على الحسين بأموال يزيد.
 
 
د. صلاح الفضلي 
@salahfadly