آراؤهم

القبض عند شرطة المرور وعدم الدستورية

في البداية أود أن اشيد بالجهد المبذول من قبل رجال شرطة المرور على حفظ الامن والامان في الطرق وصيانة أرواح الراكبين والراجلة من مخاطر الطريق، ولا يخفى على جميع مرتادي الطرق والناس التحسن الملحوظ والنقلة النوعية التي تمت في العام المنصرم من قلة الازدحامات المرورية وانخفاض نسبة الوفيات جراء الحوادث المرورية وحتى المخالفات المرورية المرتكبة اصبحت اقل بنسبة ملحوظة، والسبب الرئيس في تحسن هذه المعضلة التي عانت منها البلد منذ سنوات هو تطبيق القانون بحزم وعدم التهاون مع المخالفين الذين تجاوزوا هذا القانون، فمشكلتنا ليست في القوانين فالقوانين موجودة ورادعه ومن افضل ما يكون ولكن كان العيب في تطبيقها هو السبب الرئيسي الذي ادى الى تلك المشاكل. 
عندما ننادي بتطبيق القانوني بحزم وشدة هذا لا يعني اننا نؤيد التعسف في تطبيقه أو التجاوز في استخدام السلطة، ومن الملاحظ ان بعض رجال شرطة المرور في الآونة الاخيرة لم يعودوا يفرقوا بين تطبيق القانون بحزم وشدة وبين انتهاك القانون والتجاوز في تطبيقه، وتكون معالجة المخالفات والخروج عن القانون بمخالفات اخرى وخروج اخر بزعم منهم ان هذا هو تطبيق القانون السليم، لعل البعض منهم حسن النية ولعل البعض الاخر لا يفقه بالقانون ويقوم بتلك الاعمال تنفيذا لأوامر مرؤسيه ولديه الثقة الكاملة ان الاوامر العليا دائما مشروعة ومطابقة للقانون ولكن الواقع غير ذلك تماما.
وكما قالت العرب “عند المثال يتضح المقال” وخير مثال على تجاوز بعض رجال الشرطة في تطبيق القانون هو حق القبض المخول لهم في قانون المرور، والامر في الواقع يتعدى القبض بمراحل فبعد القبض يتم حجز المخالفين مدة 48 ساعة وفي بعض الاحيان يتجاوز الحجز تلكم المدة؟
فما هو الاساس القانوني الذين يرتكز عليه رجال شرطة المرور في هذه الافعال التي تعد تجاوزا صارخا على حقوق الافراد التي كفلها لهم الدستور في المواد 30/ 31/ 32. 
وانا على يقين تام واعلم في قرارة نفسي أن بعض رجال شرطة المرور يقومون بهذه الاجراءات دون ان يعلموا ما اذا كانت صحيحة أم خاطئة مشروعة أم باطلة.
نص قانون المرور في المادة 44 على الحالات التي تخول لشرطي المرور حق القبض على المخالفين وهم خمس حالات على سبيل الحصر لا المثال كالاتي:
1. قيادة مركبة الية تحت تأثير المشروبات الروحية أو المخدرات أو المؤثرات العقلية.
2. ارتكاب حادث ترتب عليه اصابة اي انسان او وفاته.
3. السباق بالمركبات الالية على الطرقات بغير تصريح او بالمخالفة بالتصريح.
4. محاولة الهروب في حالة ارتكاب حادث يضر بسلامة احد الافراد او في حالة الامر بالوقوف الصادر من رجال الشرطة.
5. قيادة مركبة الية برعونة او تفريط او اهمال او عدم انتباه تعرض حياة الناس للخطر.
أغلب حالات القبض التي يقوم بها رجال شرطة المرور على البند الخامس من هذه المادة والتي تعد مخالفة صريحة للدستور وعلى مبدأ شرعية الجرائم والعقوباتـ  اذ جاءت بالبند مطاطة وعائمة دون تحديد الافعال المجرمة تحديدا ناف للجهالة وأيضا جاءت مخالفة لتعريف المحكمة الدستورية لهذا المبدأ حيث نصت: “بما يفضي عموم عبارات النص وغموضها وابهامها الى تعدد تأويلاته واطلاق العنان حال تنفيذه وتطبيقه بسوء التقدير، مما يتعارض ذلك مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، بحسبان ان الاصل في النصوص الجزائية أن تصاغ في عبارات واضحة محددة وأن تكون الافعال المؤثمة محددة المعنى بصورة قاطعة، لضمان ان يكون تطبيقها محكما، بحيث لا يكون التجهيل بها موطنا للإخلال بالحقوق والحريات التي كفلها الدستور لاسيما تلك المتعلقة بالحرية الشخصية وبحرية الراي والتعبير.
مرجع (الحكم الصادر في الدعاوى المقيدة برقم 20 ، 21،22 لسنة 2013 دستوري)
ومن وجه اخر فإن صفة القبض التي اسندها القانون لرجال شرطة المرور تمتد لجميع رجال شرطة المرور ابتداء من الشرطي البسيط حتى اللواء المخضرم، وعند فتح المجال على اطلاقه فإن من المنطقي ان تكون هناك ممارسات خاطئة من بعض رجال شرطة المرور، فلو سلمنا بسلامة البند الخامس في المادة 44 من قانون المرور التي تخول حق القبض لرجال المرور فان شرطي المرور له الحق بان يقبض على قائد مركبة انتقل من حارة الى اخرى دون استخدام الاشارة الضوئية بمزاعم انه عرض حياة الاخرين للخطر او من تقف مركبته بكتف الطريق او عند حارة الامان جراء عطل فيها، هذه الحالة من الممكن ان يعدها شرطي المرور تعريض حياة الاخرين للخطر  ويقوم بالقبض على قائد المركبة، كل هذه التصرفات واكثر تأتي نتيجة عدم تحديد الافعال المجرمة وغموضها
وابهامها مما يتيح تعدد التأويلات بها وتعريض حرية الاخرين للخطر بالقبض عليهم دون مبرر سليم.
تأتي مرحلة الحجز بعد القبض وهو الامر الجلل الذي يرتكز رجال المرور على نص المادة 60 من القانون رقم 17 لسنة 1960 من قانون الاجراءات الجزائية المعدل بقانون رقم 3 لسنة 2012  في تبريرهم لهذا الحجز، حق الحجز يستمده رجال المرور من قانون الاجراءات الجزائية لخلو قانون المرور من نص خاص ينظم هذا الحق، ولا بأس ولكن البأس عندما يتم استغلال هذا الحق في معاقبة المخالفين بحجزهم مدة 48 ساعة او اكثر في بعض الاحيان، نظم قانون الاجراءات الجزائية حق الحبس لكي يكون مؤقتا لحين عرض المتهمين لجهات التحقيق وحدد مدة اقصاها 48 ساعة لتقديم المتهم الى جهات التحقيق أو اخلاء السبيل, فما يحصل في الواقع ان هذا الحق يستغل في معاقبة المخالفين وحجزهم 48 ساعة ثم الافراج عنهم دون عرضهم على جهات التحقيق ” لكي يتأدبوا” قالها شرطي.
فمنطق رجال المرور وتبريرهم ان حق القبض في قانون المرور يكون في 5 حالات وهذه الحلات تعد من قبيل الجريمة المشهودة التي يخول لهم القانون حق الحجز مدة 48 ساعة لحين عرضهم على جهات التحقيق، ولكن الواقع غير ذلك البته, لان مرحلة العرض على جهات التحقيق لا تتم في بعض الاحيان.
وفي النهاية اود أن انوه على عدم دستورية البند الخامس في المادة 44 من قانون المرور لمخالفة البند مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات والذي تبدأ به هذه السلسة من المخالفات سالفة البيان بحق الافراد , ونصدع بوجة الجميع بالقول أن حريات الافراد حق أصيل ومقدس لا يجب العبث به بهذا الشكل السافر من بعض رجال المرور على مخالفات قد تكون كيديه في بعض الاحيان.