كتاب سبر

“ينبغي..وماينبغي”

دخل الربيع العربي شهره الرابع من عامه الرابع، ولايزال يتمخض بالأحداث الجليلة، ويتكشف به أمور ماكان لها أن تنكشف، واتضح الفاصل واضحاً بين فسطاط الإيمان وفسطاط النفاق، وانجلى الفرق بين صاحب الحق، والمتلبس بالحق، وصار للعيان، ماحرصت حكومات دهوراًعلى أن يكون سراً، تُظهر خلافه ما بنت عليه وجاهتها من حراسة الدين،أو مقاومة الصهيونية.
وانقسم الناس على الربيع العربي ثلاثة:
فأهل التغفيل يرون فيه الدمار والقتل والتشريد لاغير.
والحكومات تنظر إليه، أنه إيذان بزوالها، يشاركها في ذلك من كان سبباً بوجودها، والتمكين لها، من أرباب المصالح، وأصحاب “ينبغي الطاعة، وماينبغي الفتنة” الذين تأصل بهم ترويج نظر أهل التغفيل.
وتنظر إليه الشعوب،بأنه خلاص، طالما دفعت ثمنه، سنوات دون خلاص.
وطيلة سنوات الربيع العربي لم يألُ مشايخ التخذيل ودعاته جهدا من التخذيل  للإبقاء على”استصحاب الأصل، وطرح”المطالبات” وإبقاء ماكان على ماكان”،ل أن في التخذيل بقاءً لهذه الحكومات وفي بقاء هذه بقاءهم.
فقالوا مخذلين: إن مايحدث في العالم العربي هو فوضى منظمة وتدمير مصنوع لتدمير الأمة!! وأقول عن أي أمة يتحدث هؤلاء، وأي تدمير أشد غلى الأمة من مسخ هويتها، وتدمير أخلاقها، واسترقاق شعوبها، والاستئثار بثرواتها حين يهلك أحدهم عن ميراث يتعدى مئات المليارات، لا أقول ملايينها، بين شعب لايبلغ به راتبه ثلث شهره!!
ومن التخذيل قولهم: أنظروا ماذا يحدث الآن من دمار وقتل وتشريد. وأقول: وهل لم يكن قتل من قبل ودمار وتشريد؟! بل كان، لكنه كان سراً قبل أن تفضحه وسائل التواصل الحديثة اليوم..هل غاب عنكم استباحة حماة، أم غاب عنكم مأسي حلبچة؟! أم أنكم لاترون  تشريد الشعوب إلى بلادكم وإلى غير بلادكم!! كم أتألم وأنا أري من خلال زجاج سيارتي المكيفة بائع البوظة يجلس إلى عربته يلفحه صيفنا، بحره وقيظه، وغباره، وشمسه يرتجي بضع دنانير يعتاش بها أهله، وقدره ظلم حكومته.
نعم ياسادة، لم يكن دمارٌ بهذا الكم، لأنه كان بالأمس مختصاً بمطالبة البعض، لكنه لما صار اليوم مطلب الجميع، ناسب أن يكون تدميراً بحجم هذا الجميع!!
ومن تخذيلهم أن يقال: إن مايحدث، إنما هو خطة لتقسيم الوطن العربي!!
 لم أرَ تسطيحاً لعقل أشد من هذا التسطيح!! ياسادة منذ متى كان الوطن العربي متحداًحتى يُخطط لتقسيمه،أو حتى لتجزئة دوله؟؟
لقد تكفل القوم بالحفاظ على تركة سايكس وبيكو،وتواطئوا عليها، وأوصى بها الآباء أبناءهم،وتواصى بها الإخوة مابينهم، والرؤساء مَن بعدهم، فأي ممزقٍ يعيشه الوطن العربي، شراً من هذا الممزق؟!
وأي حاجة تدعو للتخطيط لتقسيمه؟!
ومن التخذيل قولهم: لو كان في الربيع العربي خير، لقال به، أو دعى إليه كبار العلماء.!!
وهذا من سقط القول، إذ كيف يقولون به أو يدعون له وأكثرهم حاشية البلاط وحماته؟!
أما علماء الرباط، فلم يخالف منهم في الدعوة إليه!! فهل يريد هؤلاء أن يقولوا “لو كان خيراً ماسبقونا إليه”؟!
ومن التخذيل قولهم: إن مايحدث إنما هو فتنة حذر منها العلماء.!! وأقول كما قلت من قبل: ألا في الفتنة سقطوا. وذلك لمافيه من تلبيس على العوام، حيث أن الفتنة كما هو معلوم، تكون فيما يقتتل عليه أهل الحق من الحق، وليس شئٌ من ذلك في حوادث الربيع العربي، بل حق يدفع باطلاً، وعُصبة حق تقاتل عصائب باطل.
إن الربيع العربي لن يأبه بتغفيل هؤلاء،أو تخذيل هؤلاء، ومدافعة حكومات استُنبتت بهؤلاء، إنه لن يقف حتى يبلغ بهؤلاء البحر، وإنهم ليعلمون أنه كذلك، وأنه ليس بعاصفة يمكنهم التعامل معها، بل هو زلزال لايملكون من أمره من شئ.