أقلامهم

عبدالله زامل العنزي: الفهم نعمة

( الفهم نعمة ) 

بقلم: د.عبدالله زامل العنزي
قد تسمع من إنسان موعظة بليغة توجل منها القلوب وتذرف منها العيون ، ثم ترى نفس الشخص في موقف مهين واختبار صعب والمفاجأة أنه أضاع بامتياز الأمرين ، والسؤال أليس هو هو ؟ والجواب نعم ،  إذن كيف وقع الانفصال بين المثالية والواقعية ؟ أقول إنه الفهم وعدم الفهم ، فليس كل من امتلك المعلومة وصدع الآذان بها يملك فهم التطبيق ، فيسقط في اختبار الحياة ، وقد سلك أعداء الإسلام مسلكاً خطيراً حتى يسقطوا رموز الإسلام في قلوبنا وعقولنا ، فكانوا يأتون بممثل يقوم بدور ما ونعيش معه هذا الدور ، ثم ما يلبث هذا الممثل أن يقوم بدور مغاير تماماً للدور السابق وللشخصية الإسلامية السابقة ، وقتها لن نقول إنه الممثل الفلاني ، ولكن سنقول أليس هذا … ؟!
فتسقط هيبة الرموز في قلوبنا وعيوننا ، هكذا يفعل المقلد غيره دون إدراك منه لخطورة ما يقع فيه من انفصام بين الواقعية والمثالية ، ومن العجيب أن بعضهم يملأ المجالس بآراء نقلها من غيره وأفكار طرحها غيره لينسبها إلى نفسه متناسياً أن من يسمعونه قد سبقوه لسماع غيره ، شتان بين خُلق التزمت به بفهمي الخاطئ دون الحاجة إلى فهم الناس ، وبين خلق طبقته جوارحي قبل لساني ، فإن المتسق مع نفسه متسق مع الناس ومتسق مع الخليقة ، وصدق من قال كن جميلاً ترى الوجود جميلاً ، أما من ينظر بنظارته السوداء وفهمه هو وقناعاته هو ، فهو الذي لم ولن يحظ بالتقدير أبداً ، فما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط .
إنك لتعجب حين ترى أمة لا تقرأ ولا تدرك ما يحيط بها !
أمة تقلد وتكرر ما تسمع دون تريث وفهم وتحليل واستنباط !
فا?نسان يحمل في طياته مما يجد ويعايش فهو يحمل ويتأثر ويتغير بل هو مضطرب في بعض ا?حيان خاصة إذا اكتسب قيمة دون أن يضبطها ويصقلها بمفهومها الحقيقي .. فربما اكتسب قيمة ففهمها بغير مفهومها الحقيقي فتكون عبئاً ووبالاً عليه بدل أن تكون ميزة له .
فلا يكفي أن نحمل القيم في عقولنا بل لابد أن نترجمها إلى سلوكيات وواقع .
فكثير من الناس لا تفوته تكبيرة ا?حرام في المسجد ولكنه يغتاب هذا ويشتم هذا ويضرب هذا !! فلم يستفد من حمل هذه القيمة العظيمة لأنها لم تترك من ورائها أثراً صالحاً ، وكثير من الناس يرى نفسه على حق ، وتعجبه عقليته الخاصة فيبدأ بالدفاع عنها منغلقاً ولا يقبل رأياً ولا مشورةً !! كأنه جمع العلم في سلة واحدة !! وها هو يترنح متبختراً لا يرى سوى نفسه !! فهذا أول حتفه.
والإنسان يختلف عن الطير والحيوان فهو يكتسب مهاراته وقيمه ، ولا يجبل عليها  كالطير يطير كما طار أبوه وينهج نهجه فإن كان غراباً فهو غرابٌ ، وإن كان صقراً فهو صقرٌ يأكل مثل أبيه ويصطاد ويعيش على الجبال الشامخات فهو قد صقل وطبع مثل أبيه ، وكذلك ا?سد فالشبل مثل أبيه ينهج نهجه ملكاً للغابة ، والقنفذ مثل أبيه ينهج نهجه ويسكن مسكنه .
أما ا?نسان فهو مختلف تماماً ، فهو يحمل ما أراد وما تربى عليه وما قبل وصقل وما أُعطي فأهمل ، فسبحان الخالق المدبر الذي أحسن كل شيء خلقه ، جعل ا?نسان يتعايش مع واقعه فقد يكون ملكاً ، وقد يكون خادماً أو عاملاً ، قال تعالى : ” ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ” وتدوم الحياة ، منهم للجنة بما حملوا من خير ، ومنهم للسعير بما فرطوا وضيعوا وتكبروا وتعنتوا ، فبإرادتهم حملوا وعاشوا وارتضوا ، ولذلك فإن ا?نسان بتقواه وصلاحه يصبح أفضل من الملائكة ، وبفساده وبعده عن الحق والشرع يصبح أضل من الحيوان ، ولذا يجب على ا?نسان أن يحفظ وعاءه وما يحتويه هذا الوعاء مطلعاً بناظريه مراقباً ما اكتسب ، فهو دائماً في معالجات ذاتية ينظر لنفسه متبصراً ما بوعائه يصقل الضعيف منه ويعدل المعوج ويصوب الخطأ ويزيل الباطل ، فهذا هو الحصيف الذي يحاسب نفسه ويغير سلوكه مجتهداً للأفضل ، فليس بعيب أن نخطئ اليوم ولكن العيب أن نكرر خطأ الأمس ، فتعثرك المتكرر يرهقك بل ويرهق من معك ، فا?نسان ملاصق لغيره يتأثر بهم ويؤثر فيهم .
فكن على ثقة بأنك دائماً تحتاج للعلم والقراءة والدراية ، فليس ما في الجرائد والمجلات علماً يعتمد عليه ، ولا تدافع عن آرائك القديمة فرب شيء حفظته منذ زمن وهو خطأ فأنت تكرر ا?خطاء ، وإن المدة لا تشفع للمعلومة الخطأ ولا تغيرها فتجعلها صحيحة ، فالخطأ خطأ وإن طال به الزمان أو اعتاد عليه الناس فلا يتحول إلى صحيح ، والصحيح صحيح وإن طال به الزمان أو ابتعد عنه الناس فالصحيح لا يتحول إلى خطأ .
إذن لا تعلُ في المجالس ولا تصرخ بجهلك المركب ، ولا تتكلم بكلمة أنتجها غيرك وفسرها غيرك ولحنها غيرك ، فأنت تنشدها وتغرد بها كالببغاء !! ارفع نفسك وارتقِ فليس كل ما يدار حقاً وليس كل ما يذاع حقاً ، فالجهل أضحى علامة كل ناعق ، والغرور أصبح رداء كل زاعق .
فضع نفسك في قدرها ومنزلتها ، ولا تتعدَّ مكانك وانظر أين تضع رجلك فقد تضع رجلك على حافة بئر فتسقط فيه ولا تخرج منه أبداً ، وعلى قدر علمك ومعرفتك  تحدث  ، ولا تتكلم بما لا تعلم ولا تحسن ، أتظن أن غيرك لا يفهم !! فقد يكون في القوم الأعلم والأعقل ، لكن منعه من الحديث علو صوتك وتبجحك بجهلك .
@Dr_Al_Enezi