سبر القوافي

اعتذار

” كلّ ابن آدم خطّاء “ فالخطأ ممارسة طبيعية لبشريتنا أُدرك تماماً أن محاولتنا لتهذيبها لن تفلح في طمسها، إنّه حقيقتنا. سنظل نُخطئ وربما نكرر ذات الأخطاء، سنظل دائماً بحاجةٍ للغفران وبحاجةٍ أكبر للاعتذار حتى لا نُعطي الآخر حق استباحتنا.
ومهما سامحنا ستبقى هناك اعتذاراتٌ مرفوضة، وليس بالضرورة أن يكون رفضها قسوة، بل أكاد أجزم بأنّ أولئك الذي يرفضون الاعتذار هم أشد النّاس توقاً إليه! ليس كل رفض يعني عدم القبول، بعض الرفض يتمنى الإلحاح.
وعلى أيّة حال، أن تكون متسامحاً لا يعني أن تغفر الذنوب جميعها، إنما أن تفعل ذلك حين يكون بوسعك أن تفعل. إنّ عفواً صادقاً خيرٌ من عفوّ كاذبٍ يتبعه أذى. لذلك ثمّة عفو نزيح به هم الكراهية المتعب، نمنحه لمن لا أهميّة له أو لمن كان الأهم ذات يوم. وثمّة عفو ثريٌّ بالفرص يسكن قلوباً مفعمة بالحبّ، متأهبة للغفران، تريد فقط اعتذاراً تمسح به آلامها ولكن.. هناك اعتذاراتٌ متأخرة لم تأتِ بعد وأخرى لن تأتي أبداً، هناك اعتذارٌ متوجسّ من الرفض وآخر خجولٌ من عِظم الذنب وتكراره.. هناك اعتذارٌ متوارٍ؛ يترقب بارقة أملٍ في القبول ليعلن عن نفسه.. هناك اعتذارٌ بارد؛ أقسى بكثيرٍ من الخطأ.. هناك اعتذارٌ أقبحُ من الذنب.. وهنالك اعتذار مؤجل، أتساءل أمامه: كيف يُخبّئ أحدهم اعتذاره إلى حين وقتٍ يراهُ مناسباً؟ أليس خير الاعتذار عاجله؟
كيف يأمنُ للقدر أن يمهله الوقت وهو الذي يسير بنا -دون توقّف- في طريق الغياب؟ 
إنّ الوقت الذي نقضيهِ بالصمت هو أسوأ ما نواجه به الخطأ، لأنّ الصمت ”حمّال أوجه“، وفشلنا في تمريره أو تفسيره يزيدنا وجعاً. وقبل أن نُطالب الآخرين بالاعتذار علينا أولاً أن نؤديه لمستحقيه..  فلنعتذر إذا لمشاعرَ نبيلة ظلّت حبيسة الصدر، لاعترافٍ بالحبّ لم ينطق بهِ لسان، لشوقٍ لم يعقبه لقاء، لكل الأشياء الجميلة التي تخلينا عنها بحجة المساس بالكرامة.. للقدر الذي ألقينا عليه مسؤولية وقوعنا في الخيبة ومسؤولية انتشالنا منها، ورغم أنّ للقدر -دائما- الكلمة الفصل التي تتجاوز كل حساباتنا المنطقية والعاطفية ستبقى كلمة ”آسف“ العلاج الأكثر فاعلية لخيباتنا العاطفية وسنظل دائما بانتظارها، لأنّ وحده ”من بدأ المأساة.. يُنهيها“. 
تويتر: 
Altaf305@