عربي وعالمي

قصص استشهاد أسر كاملة في غزة

يقول فلسطينيون إن مشاهد الموت والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل طيلة العقود الماضية لا تزال حية في ذاكرتهم، غير أن الإمعان في استهداف المدنيين وقتل أسر بأكملها، في العدوان الأخير بلغ حدا غير مسبوق، وأسكنت الحسرة في نفوس ذوي الشهداء.
“أيقظت زوجي محمد لصلاة قيام الليل، وبعد أن أتمَّ صلاته عاد للنوم في حجرة المنزل المسقوف بالصفيح، وما هي إلا لحظات حتى طال انفجار مكان نومه”. بوجه يملؤه الأسى وبصوت يخنقه البكاء، روت منى الأسطل للجزيرة نت مشاهد الموت والدمار التي عاشتها، واصفة فزعها وترديدها للشهادة وهي ترى حطام منزلها يتطاير و”تتساقط شظاياه على رؤوس أطفالها”.
وتضيف منى، التي استشهد زوجها وشقيقاه وأسرة أحد شقيقيه كاملة، “تمالكت أعصابي وظللت أنادي على زوجي، ولمَّا لم يُجب خرجت صوبه مذعورة فوجدته أشلاءً تحت الركام”. “يا محمد لا تذهب وتتركني..” ظلت تقول الزوجة لزوجها الذي لم ولن يجيب.
منى الأسطل بعد نجاتها من مجزرة راح ضحيتها زوجها وشقيقاه وأسرة أحدهما (الجزيرة)
قتل متعمد
وتابعت الزوجة الناجية “في هذه الأثناء نادى عليَّ شقيق زوجي “ثائر” من منزله المجاور لنا محاولا تهدئتي، فطلبت منه أن يأتي لانتشال أشلاء أخيه، وما أن خرج من منزله حتى أطلقت طائرة استطلاع إسرائيلية صاروخا ثانيا حوله هو الآخر إلى أشلاء”.
وتقول الزوجة التي كانت تغالب جراحا جسدية ونفسية “على وقع إطلاق الصاروخين هرع الشقيق الثالث ميلاد من منزله المتاخم، وعندما أخبرته أن محمد وثائر قد قتلا أخذ طفلين من أبنائي لمنزله، فيما انتشلت أنا رضيعي ولحقت به واحتمينا بمدخل المنزل”.
ولم يدم الاحتماء بمنزل “ميلاد” طويلا، ولم يكن ميلاد نفسه بعيدا عن مرمى الطائرات، “فقد عاد لاصطحاب زوجة شقيقه ثائر وأولادها، وما أن وصل مدخل منزله حتى استهدفته طائرة بصاروخ ثالث و”حينها غطى الدخان ورائحة الدماء والأشلاء المكان وأصبنا باختناق، وأصبت أنا بكسور، بعد انقشاع الدخان وجدنا ميلاد وأسرة ثائر قد تحولوا جميعا لأشلاء”.
وترقد الأم، التي نجت ونجى أطفالها، على سرير وحولها من يحثها على تلمس الصبر من أربع أسر فقدت 20 من أفرادها في العدوان وهم ينتمون جميعا لعائلة الأسطل.
ولا يقل مصاب عائلة الأسطل عن مصاب عائلة النجار التي نزحت من بلدة خزاعة بعد احتمائها بمنزل أحد أقاربها ببلدة “بني سهيلا” البعيدة عن مرمى قذائف المدفعية ونيران الاحتلال جنوب غزة.

دون إنذار
خمسة أفراد من عائلة النجار نجوا من الموت، يقولون إن الموجودين بالمنزل كانوا يتهيؤون لتناول السحور بينما صغارهم نائمون، “فجاءت المقاتلات الحربية الإسرائيلية وقصفت المنزل دون سابق إنذار فقتلتهم جميعا”.
وأسفر قصف منزل عائلة النجار عن استشهاد 20 فردا يشكلون خمس أسر، أغلبهم من النساء والشيوخ والأطفال والرضع. وقد استمرت عملية البحث عنهم وانتشال جثثهم أكثر من 12 ساعة.
وتمثل مجزرتا عائلة الأسطل والنجار نموذجا مبسطا لأكثر من خمسين مجزرة ارتكبها الاحتلال بحق أسر فلسطينية، لكل أسرة منهم حكايتها مع الموت، فمن لم تقتله قذائف المدفعية طالته الطائرات الحربية أو طائرات الاستطلاع أو الزوارق البحرية الحربية، وفقًا للروايات.
وتفيد إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية بأن عدد أفراد الأسر التي أبيد بعضها بالكامل ولم ينج من أفرادها أحد بلغ  285 فردا أغلبهم من النساء والأطفال.