كتاب سبر

هل سينجح حيدر العبادي؟

حتى يمكن الإجابة على سؤال: هل سينجح رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي لابد من الإجابة على سؤال لماذا لم ينجح رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي أولاً. لم ينجح المالكي – أو بشكل أدق لم يُسمح للمالكي بأن ينجح – لأنه لم يقدم تنازلات ولم يعطي الفرقاء الآخرين في الساحة العراقية وخارجها – وهم كثر – ما يريدونه، فالأكراد ناصبوا المالكي العداء لأنه لم يعطهم كركوك ولم يسمح لهم بتصدير نفط كردستان وجني أرباحه، والسنة أعتبروا المالكي عدوهم الأول لأنه لم يلب مطالبهم الأساسية في إلغاء إجتثاث البعث وإصدار عفو عام وإلغاء قانون مكافحة الإرهاب، والأفرقاء الشيعة يريدون حصة في السلطة وهو ما لم يمنحه لهم المالكي، ولو لبى المالكي مطالب خصومه لظل في السلطة لولاية ثالثة وربما رابعة. 
هذا من حيث خصوم المالكي في الداخل، أما خصوم المالكي في الخارج فليسوا أقل شأنا من خصوم الداخل، فالولايات المتحدة التي دعمت المالكي في ولايتيه السابقتين لم يعجبها عناد المالكي ومناكفته لها وعدم التماهي مع أجندتها في المنطقة وخاصة فيما يخص العلاقة مع إيران والموقف من سوريا، ولذا نجد أنها وقفت متفرجة على إجتياح داعش للموصل رغم علمها به، بين أستنفرت كل قواها لدعم الأكراد عندما اقتربت داعش من أربيل، في حين أن السعودية ناصبت المالكي العداء ليس لشخصه وإنما لأنها لا تريد للتجربة العراقية الجديدة أن تنجح، لأنها تعتبر ذلك خطراً عليها، وتركيا أردوغان هي الأخرى ساعدت في إفشال المالكي لأنها وجدت أن المالكي عقبة في طموحاتها الأقليمية في أن تكون قوة مهيمنة. ومع كل ذلك فإن المالكي كان يمكن أن يحصل على الولاية الثالثة لأنه عرف كيف يتعامل مع هذه المتناقضات، ولكن موقف المرجعية في النجف الداعي للتغيير كان العامل الحاسم في إقصاء المالكي.
إذن المشكلة في حقيقتها ليست في المالكي بشخصه، ولكن المشكلة أن المالكي لم يكن ليستطيع أن يلبي المطالب الصعبة لقوى محلية وأقليمية ودولية. هذا لا يعني أن المالكي لم يرتكب أخطاء كثيرة، ولكن الواقع أن هذه الأخطاء لم تكن هي سبب فشل المالكي، وإنما السبب الرئيسي أن التحديات والعقبات التي واجهته لم تكن لتسمح له أو لغيره -مهما أمتلك من قدرات- أن ينجح.
رئيس الوزراء العراقي المكلف حيدر العبادي لا يملك عصا سحرية، وهو لا يمتلك القدرات الشخصية التي يمتلكها المالكي، ومع ذلك فإن نجاحه غير مرتبط بما سبق وإنما يرتبط بتعاون الفرقاء السياسيين معه، فإذا ما طُلب منه ما طُلب من المالكي فهو حتماً سيفشل، وأغلب الظن أن الجميع سيعطيه فرصة لعدة أشهر ليرون كيف يتصرف، ولكن في النهاية فإن جميع الأطراف ستعاود عرض مطالبها عليه وعندها سوف يكون على المحك، فإما أن يرفض ما رفضه المالكي وعندها سوف لن يكون مصيره أفضل من مصير المالكي، وأما أن ينصاع لمطالبهم وعندها سوف يتحول إلى ألعوبة في يد الجميع.