أقلامهم

وليد الرجيب عن الفقيد “سميح القاسم”: تركت المحتل الصهيوني والمستبد العربي غارقين في وحل ذلّهم.

كالأشجار مات منتصب القامة 
وليد الرجيب / أصبوحة
يقول هوميروس على لسان أوديسيس بطل ملحمة الأوديسة: «إذا سألوك عن زمانك، فقل عشت في زمن الأبطال والجبابرة، زمن أخيلس وهكتور»، وإن سألوني عن زماني فسأقول: عشت في زمن المناضلين والمثقفين والمبدعين الأبطال، زمن توفيق زيّاد ومحمود درويش وسميح القاسم وأميل حبيبي وأميل توما».
رحلوا جميعاً عن زماننا، وتركوا مساحة للحزن والشعور بالفقد، رحلوا منتصبي القامة يمشون مرفوعي الهامة، في أكفهم قصفة زيتون وعلى أكتافهم يحملون نعوشهم، قلوبهم أقمار حمر، قلوبهم بساتين فيها العوسج والريحان، وشفاههم سماءٌ تمطر نارًا حينًا وحبًا أحياناً.
في يوم 19 أغسطس 2014، رحل الذي لا يحب الموت لكنه لا يخافه، من منا يحب الموت لكن كم واحداً منا لا يخافه؟ منذ انتمى في نشأته الأولى إلى الحزب الشيوعي في ظل احتلال صهيوني عنصري عنيف، وهو يضع حتفه على كفه ويحمل نعشه على كتفه، رحل ووطنه فلسطين الذي لم يتخل عنه تحت لظى نيران القصف الهمجي، غادرنا حاملاً حباً كبيراً لوطنه وللإنسان، غادرنا وترك لنا شعراً ومشعلاً نحمله من بعده.
كان كبيراً بحبه وتواضعه ونضاله، رحل دون أن يركع لحظة، وظل ثابتاً على مبادئه ونضاله المتواصل من أجل الكرامة الوطنية وحماية الأرض من الدنس الصهيوني، ومن أجل الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم، ثابت القدم على أرض الجدود المجرّحة أياديهم بشوك أشجار الزيتون، كان التزامه عميقاً بالقيم والفكر وبأنبل ما في التراث الفلسطيني والعربي والثقافة الإنسانية.
لم يكن تحليقه في يوم 19 أغسطس، ولكنه ولد وعاش محلقاً في الآفاق الشاسعة للكلمة والسلام غير آبه بحتفه، ولا كيف سيلقاه، هل في رصاصة بالصدر أم بشظية تمزّق جسده، أو في أقل تقدير على فراشه الذي أصبح جسده، وكأن الموت كان يخافه ويهاب من صلابته ونضاله العنيد، لكن الجسد هو الجسد بينما الأرواح تختلف وتتباين في عزّتها وإشراقها، رحل بعد رحيل رفاقه توفيق ومحمود وأميل وغيرهم، وكان وعد اللقاء في الخلد.
لم تغادر يا سميح بل تركت لنا نسغ ورحيق روحك في غنائك للوطن والحرية والإنسان، فسجّانك سيموت كمداً وقهراً شاعراً بالعار لأنه لم يفلح بإركاعك، أو بتخليك عن فكرك التقدمي وقضية شعبك ووطنك، غادرت مرفوع الهامة كالأشجار تموت واقفة، وتركت المحتل الصهيوني والمستبد العربي غارقين في وحل ذلّهم، كانت كلمتك أقوى وأشد عليهم من الطلقة والسوط.