أقلامهم

أسامة الشاهين: القوة الناعمة للكويت تتآكل.

قوة الكويت الناعمة ! 
| أسامة عيسى الشاهين | 
القوة الناعمة مفهوم سياسي وعسكري جديد، أطلقه جوزيف ناي – مساعد وزير الدفاع الأميركي – عام 2004، ويقصد به حسب تعريف موسوعة «ويكيبيديا» المفتوحة «أن يكون للدولة قوة روحية ومعنوية من خلال ما تجسده من أفكار ومبادئ وأخلاق، ومن خلال الدعم في مجالات حقوق الإنسان والبنية التحتية والثقافة والفن، ما يؤدي بالآخرين إلى احترام هذا الأسلوب والإعجاب به ثم اتباع مصادره».
ولعل الولايات المتحدة الأميركية تمثل أحد أبرز الدول العظمى بالقوة الناعمة – وإن كانت قوتها تصدعت كثيرا منذ 2001 وحتى يومنا هذا – حيث تملك عدة «أسلحة» ناعمة تفتح لها قلوب وعقول عامة الناس، مثل أفلام «هوليوود» منذ 1910، والحلم الأميركي بالثراء الفاحش والنجاح السريع، وتمثال الحرية، وإعلان الاستقلال 1776، وحتى السلع استهلاكية كالجينز و«الهمبرغر» والمياه الغازية في ثمانينات القرن الماضي.
وعجلت هذه القوة الأميركية الناعمة بسقوط «اتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية» عام 1991، حيث وفر الانبهار بالنموذج الأميركي الرأسمالي والليبرالي أرضاً خصبة للعملاء والجواسيس فيها، كما كانت المقارنات مع الواقع الشيوعي البائس اقتصادا واجتماعا وسياسة تصب في صالح الولايات الأميركية.
وللكويت في المنطقة العربية – وربما العالم الإسلامي – قوة ناعمة حقيقية، تتمثل بعدة مظاهر مثل: أبراج الكويت 1979 وما مثلته كأيقونة للتقدم المعماري قبل الطفرة الواسعة بمدن الخليج الأخرى، والديموقراطية ودستور 1962 وأجواء الحرية المفقودة بدول المنطقة.
بجانب الساحة المسرحية النشطة والمبدعة لاسيما في جيل المخضرمين، وصحافة الكويت خاصة بحقبة السبعينات والثمانينات، و«الديوانيات» التي تمثل ظاهرة سياسية واجتماعية فريدة، والعمل الخيري الكويتي الذي تجد معالمه بازرة أينما تواجد المسلمون، ومجلة «العربي» الثقافية الشهرية منذ 1958 وحتى يومنا هذا.
وللقوة الناعمة فوائد عدة للأوطان، فهي أولا تضمن الالتفاف الشعبي والرسمي الدولي حولها بشكل واسع كما حدث في احتلال 1990، وثانيا تسهل على الدولة استقطاب المبدعين والناجحين بشتى الاختصاصات، حتى لو كانت الرواتب المعروضة عليهم أدنى من مثيلاتها بدول أخرى تفتقد لذات الجاذبية المعنوية، وثالثا تجعل الدولة محضنا مفضلا للمؤتمرات العالمية والمنظمات الدولية، ورابعا يكون المتمتع بها وسيطاً ناجحاً للخلافات الديبلوماسية كما حدث بين الأشقاء في قطر والإمارات والسعودية أخيراً.
وللأسف الشديد فإن القوة الناعمة للكويت تتآكل، فشهرتنا بالحياد وعدم الانحياز تتقلص اضطرارا بعد الاحتلال العراقي وتداعياته، بجانب حكم «الجغرافيا السياسية» الضاغط علينا والمحرض ضد كثير من معالم قوتنا الناعمة كالعمل الخيري والحريات العامة.
وجاذبية الديموقراطية والحرية تضعفها أخبار الاعتقالات والملاحقات، وسحب الجنسيات أخيراً من عدد من الشخصيات العامة وجه ضرراً جسيماً لهذه القوة، التي هي بمثابة سور حقيقي ورأس مال مهم للوطن، خصوصاً في ظل افتقاد الكويت لمساحة شاسعة أو جيوش جرارة أو اقتصاد انتاجي أو تعداد سكاني كبير.