أقلامهم

سعد السعيدي: الحوثيون يريدون استنساخ تجربة حزب الله اللبناني في اليمن.

الحوثيون الخطر الأكبر على اليمن والإقليم 
كتب المقال: سعد السعيدي
اليمني فضل الجراش كان يردد بأعلى صوته ضمن مئات الآلاف من الحناجر اليمنية مطلع أغنية فنان اليمن الكبير محمد مرشد ناجي “أنا الشعب زلزلة عاتية… أنا الشعب… ستخمد نيرانهم غضبتي… أنا الشعب… أنا الشعب”، وذلك في المسيرة المليونية التي كانت تطالب الرئيس عبد ربه منصور هادي بفك الحصار عن عاصمتهم صنعاء، المحاصرة منذ أسابيع من جماعة الحوثي، بعد فشل التوصل إلى حلول في كل لقاءات واجتماعات الحوار أمام تشدد وصلف الحوثيين وتمترسهم وراء مطالبهم التي لا يبررها، مهما بلغت حدة الخلافات، اتخاذ الجماعة قراراً بسد مداخل العاصمة اليمنية وتوجيه بنادقهم وفوهات مدافعهم تجاهها، وهو الأمر الذي دفع بذلك اليمني البسيط فضل الجراش لأن يترك فرحه وفرحته بيوم عرسه ليختار المسير في الشارع، وهو يتشح بملابس عرسه مشاركاً في المسيرة التي رفعت شعار “لا لإرهاب الحوثي على الأرض” من أجل التعبير، كما غالبية اليمنيين، عن وقوفه بجانب وطنه والدفاع عن عاصمته بدلاً من الجلوس على كرسي الزواج ليستقبل المهنئين، ويستمتع برقصات ودبكات وأهازيج الفرح التي استبدلها بهتافات وطنية منددة بأفعال جماعة الحوثي.
دعم النظام اليمني
المسيرة المليونية التي تعد الأكبر في تاريخ اليمن جاءت لتفويض النظام اليمني والتعبير عن مساندته في أي إجراء ينوي اتخاده في سبيل إنهاء الحصار، وإعادة محافطة عمران إلى حاضنة الوطن بعد استيلاء الحوثيين عليها وعدم الانسحاب منها رغم ادعائهم ذلك، وبالطبع كان سقوط عمران عائداً لامتلاك “أنصار الله”، وهي التسمية التي يطلقها الحوثيون على أنفسهم، مخزوناً من الأسلحة النوعية التي لا يمتلكها حتى الجيش اليمني نفسه، فضلاً عن استغلال جماعة الحوثي حالة الإنهاك التي مرت ولا تزال على الجيش اليمني، لاسيما منذ عام 2011 بسبب تحمله إرهاصات الثورة، وانقسام بعض ألويته بين وقوف مع النظام وداعم للثورة والثوار، ناهيك عما يعانيه الجنوب وحراكه واحتجاجاته.
 تلك الحالة، حالة عدم الاتزان لم تكن مقتصرة على جيش البلاد بجميع تشكيلاته، بل امتدت لتصيب غالبية مؤسسات الدولة، لاسيما تلك التي تُعنى ببسط الأمن ومتابعته، مثل أجهزة وزارة الداخلية، كل هذا يجري في ظل مشهد آخر زاد من تفاقم حالة التململ لقوى الأمن والجيش بعد أن شاعت أجواء البؤس والفقر، واتسعت رقعة البطالة بسبب عامل الاقتصاد، وهو ما زاد من تفكك وتشرذم مؤسسات الدولة، فازدادت الصورة قتامة بعد العجز الواضح أمام توفير الحد الأدنى من متطلبات المواطن اليمني.
 وبالتالي انعكست تلك الحالة بكل مآسيها وعيوبها وفسادها على التنازع بين التيارات السياسية، الأمر الذي عمق بشكل جلي الخلافات، وباعد بين الفرقاء في قدرتهم على تحقيق اختراق يعيد الثقة للمواطن اليمني في قدرة بلاده على تجاوز محنتها كي تقف صامدة أمام التحديات التي أصبحت تهدد الكيان برمته، الأمر الذي قد يؤدي إلى انزلاق البلاد معها في أتون حرب أهلية، وحينها، إذا ما حدث ذلك، ستكون المشاهد في سورية والعراق ولبنان وفلسطين مجرد تسلية أمام ما يتوقع أن تصل إليه الحال والأحوال بسبب الفوضى التي ستدب في بلد يوجد لدى مواطنيه عشرات الآلاف من قطع السلاح، لتبدأ دوامة من العنف لن تتوقف عند الحدود اليمنية بل ستتجاوزها، وقد تصل تأثيراتها إلى البلاد المجاورة لا سمح الله، ناهيك عن مخاوف تعرض اليمن إلى التقسيم.
«مجلس التعاون»… والحل
ومن هنا نحذر من أن استقرار اليمن هو مسؤولية الإقليم، وعلى دول مجلس التعاون أن تسارع في التدخل، لاسيما أنها راعية لمخرجات الحوار فضلاً عن حماية أمنها الاستراتيجي حتى لا تنفلت الأمور وتتشابك الخيوط وتتعقد معها الحلول، وأكاد أجزم أن خلق الفوضى هو الهدف الذي تبحث عنه جماعة الحوثي لتحقيق أجندتها التي كشف عنها الرئيس اليمني مؤخراً حين قال “هناك ربما أجندات مخفية ومشبوهة، وليست اليافطات أو الشعارات التي ترفعها جماعات الحوثي سوى دغدغة لمشاعر وعواطف الشعب، ومسكنات كاذبة تخفي وراءها مرامي وأهدافاً أخرى”.
الخلافات السياسية في كل دول العالم، وليس اليمن استثناءً، يمكن حلها بطرق التفاوض والحوار والتفاهم والتنازل والتسويات وغيرها من الأدوات، غير أن يكون هناك جيش لفصيل سياسي وذراع عسكرية يلوح بها كلما اشتدت الخلافات بين الفرقاء أو بين ذلك الفصيل والدولة، فهذا لا يوجد إلا في لبنان حيث يسيطر “حزب الله” على قرار الدولة، ولا كلمة تعلو فوق كلمة إيران ومرشدها الذي يمثله السيد حسن نصرالله، ومن هنا يثور التساؤل: هل يحاكي الحوثيون تجربة حزب الله اللبناني؟ وللإجابة عن هذا التساؤل يمكن النظر إلى شكل ومضمون أدبيات وخطابات جماعة الحوثي وطريقة تعاملها مع الدولة والقوى السياسية اليمنية، بل حتى تسميتهم لحزبهم بـ”أنصار الله”، حتى تعرف الإجابة التي لا تحتاج إلى الكثير من التفكير.
 وإني هنا أكاد أجزم أن الحوثيين يريدون استنساخ تجربة حزب الله اللبناني في اليمن، وإذا ما أغمضنا أعيننا عن تجاوزات حزب الله، واعتبرنا امتلاكه سلاحه لأجل مقاومة إسرائيل التي تقف على حدود بلادهم، رغم تحفظي على مقاومته مؤخراً واستهدافه قتل السوريين دعماً للنظام السوري، فما الداعي أن يمتلك “أنصار الله” (جماعة الحوثي) سلاحاً نوعياً وجيشاً يتكون من آلاف المقاتلين، ولاؤهم لمؤسس الحزب وليس للدولة، ولا وجود لإسرائيل أو دولة عدوة تقف على حدود اليمن؟
لم يعد لدي شك أن سلاح “أنصار الله” أو الحوثيين هو لترويع الدولة والشعب اليمني ولا شيء غير ذلك، وما احتلال محافظة عمران من ميليشياته إلا دليل وشاهد على غطرسة الحزب في محاولة منه لإذلال الدولة، وأداة ضغط ومساومة غير قانونية لأجل السير في تنفيذ ما يريده الحوثيون من مطالب تبدو شعبية حقة، لكن حقيقتها باطلة، بمعنى أن تلك المطالب ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وإلا كيف يمكن اعتبار أن إلغاء دعم البترول أو ما يسميه اليمنيون بالوجبة، يتطلب احتلال محافظة وحصار عاصمة، غير أن الأمر السار والنقطة المضيئة في ذلك السواد المحيط باليمن، هو أن تلك الشعارات والمطالب الحوثية التي تخفي وراءها أمراً مريباً لم تنطلِ بالطبع على اليمنيين، في ظل مراوغات زعيم الحزب عبدالملك الحوثي ومحاولاته التهرب من تسليم سلاح ميليشياته التي نصت عليها وثيقة مخرجات الحوار الوطني، حيث قال “لا يوجد نهائياً أي نص في مخرجات الحوار بالشكل الذي يقولونه يتوجه إلينا أن نسلم السلاح إلى قوى النفوذ المتسلطة”.
 ونسأل “الزعيم” من قوى التسلط؟ هل هي الدولة؟ فإن كانت هي المقصودة، فهل ستقوم بمحاربتها واحتلالها لأجل إركاعها وانصياعها ذليلة بقوة السلاح مثلا، أم هي دول الجوار، دول مجلس التعاون الخليجي التي ساهمت وساعدت ولا تزال، وعقدت من أجل أشقائنا اليمنيين الكثير من المؤتمرات لجمع الأموال لهم في محاولة منها لفك أزمتهم الاقتصادية الخانقة؟
 ولعلي هنا أذكر مؤتمرات أصدقاء اليمن التي احتضنتها العاصمة السعودية الرياض، والتي كان للدولة الحاضنة يومها تبرع سخي بلغت قيمته مليار دولار بخلاف التبرعات السخية لبقية دول الخليج العربي، والتي لم تكن منّة منها تجاه أشقائه في اليمن، بل هي واجب تفرضه وشائج الجيرة والمحبة، كما أني أظن- وإن بعض الظن إثم- أيها الزعيم الحوثي أنك لا تقصد بالقوى المتسلطة أميركا أو ما تسمونه بالشيطان الأكبر كما في أدبياتكم الحزبية في تقليد لمرجعيتكم إيران، لأن ذلك سيكون مضحكاً، فأنت تعلم أن الشيطان الأكبر قد تحول “بجرة توقيع” إلى ملاك ورسول خير وبركة بعد الاتفاق الأميركي الغربي مع معزبكم.
ولأن الأمر قد التبس علينا هل يمكنك أيها “الزعيم” أن تفصح وتكشف لنا بشكل جلي عن قوى التسلط التي تقصدها، والتي تستدعي عدم تسليم سلاح حزبك خشية منها؟!
أجد نفسي متفائلاً رغم قساوة المشهد وكآبة المنظر، فحين يكون من بين اليمنيين رجل من شاكلة فضل الجراش يتقدم الصفوف للدفاع عن وطنه متناسيا يوم فرحه تاركاً زوجته في منزل ذويها في ليلة عرسها، ليضع كتفه بكتف أبناء بلده ليرددوا معاً “أنا الشعب… ستخرس صوتهم صيحتي… أنا الشعب عاصفة طاغية” فإن أطماع الحوثي وجماعته ستتحطم على صخرة العز والإباء والذود عن حياض الوطن، ولن يستطيع الحوثيون الوصول إلى مبتغاهم في تكرار لتجربة حزب الله اللبناني؛ لتكون سيفاً مصلتاً على قرار الدولة والشعب بهدف إخراجها من امتدادها العربي الطبيعي ورميها في أحضان إيران، وما أدراك ما إيران، لكن هيهات أمام العزيمة والحكمة والشكيمة اليمنية.
* إعلامي كويتي