أقلامهم

سعدية مفرح: إعلام «العصف المأكول»، غزة تقدم جيل جديد من إعلاميي الهواتف الذكية.

أسفار 
إعلام «العصف المأكول»! 
الاسم: سعدية مفرح 
شعر المشاهدون الاسرائيليون بالاستياء ، وهم يتابعون على شاشة تلفزيون الأقصى أثناء حرب غزة الأخيرة، رجال كتائب القسام وهم ينفذون عملية الهجوم على مستوطنة نحال عوز، بعد أن نفت تلك العملية حكومتهم الاسرائيلية، مما أوقع الحكومة بحرج شديد أمام مشاهديها، الذين اكتشفوا كذبها الذي لم يكتشفوه من قبل بهذا الوضوح وبالألوان! وردا على الكذب الإسرائيلي الحكومي ملأ كثير من الإسرائيليين، وفقا للمتابعين، ليلتها فضاء تويتر بتعليقات ساخرة من حكومتهم الكذابة، وبدأوا بمتابعة إعلام المقاومة الفلسطينية!
نقطة مضيئة
كان تصوير تلك العملية يمثل نقطة مضيئة في السجل الإعلامي للصراع العربي ــ الإسرائيلي بشكل عام، فهي على بساطتها كشفت جزءاً من لعبة إسرائيل الاعلامية، وحطمت واحدة من أساطيرها التي مررتها الى العالم دائما بأنها لا تكذب إعلاميا، على عكس الإعلام العربي ذي السمعة السيئة منذ نكبة يونيو 1967!
فلسطين، ممثلة بغزة، لم تكتف هذه المرة بنصرها السياسي أو الحربي، الذي لا يشكك فيه إلا صهيوني أو متصهين، بل إضافت إليه نصراً آخر هو النصر الاعلامي.
استراتيجية جديدة
الفلسطينيون لم يغيرّوا استراتيجيتهم في الحرب مع الإسرائيليين كما يبدو، ونضالات غزة في عام 2014 تشبه نضالاتها في حروب الأعوام السابقة، لكنهم غيروا كثيرا من استراتيجيتهم الاعلامية. وربما لأول مرة يولون الاعلام اهتماما حقيقيا وخاصا بهم، فلم يعودوا يعتمدون، إلا قليلا، على وسائل إعلام الآخرين، بل نشطوا في تشغيل وسائلهم الاعلامية الخاصة، وتوظيفها بأقصى حد لها وفقا لإمكاناتهم. ومع اهتمامهم بالبث الفضائي عبر قنواتهم الخاصة، مثل قناتي الأقصى والقدس المملوكتين لمنظمة حماس، فإنهم أيضا اهتموا بوسائل الاعلام الجديدة، كمواقع التواصل الاجتماعي، بشكل مهني فاعل.
ليسوا وحدهم
لكن الفلسطينيين في غزة لم يكونوا وحدهم في معركة الاعلام، فقد شارك فيها كثيرون من داخل فلسطين وخارجها، وأكاد اقول أن العالم كله تقريبا شارك في تلك الحرب الاعلامية، وساهم في إيصال صوت غزة وصورتها لكثيرين، ممن لم يسمعوا هذا الصوت ولم يروا هذه الصورة من قبل!
ولحسن الحظ فإن المرء، في العالم كله، لم يعد أسيرا لأساطين الاعلام ومتنفذيه، بعد أن أصبح جزء كبير من المادة الإعلامية بين أيدي الناس، حيث يشاركون فيه ويتلقونه بالتشارك بينهم. لقد أصبح كل مهتم يستطيع أن يكون إعلاميا حقيقيا، بفضل انتشار وسائل التكنولوجيا الحديثة، وخصوصا في فضاء الانترنت. بل أن مواقع التواصل الاجتماعي، تحديدا مثل تويتر وفيسبوك وانستغرام، وسهولتها جعلت من الإعلام التقليدي وسيلة متأخرة على صعيد بث الأخبار.
وقد أتاح لنا هذا الواقع الإعلامي الجديد إمكانية عقد مقارنة بين ما أنتجه الناس العاديون، وما أنتجته الوسائط الاعلامية التقليدية المتعارف عليها من «إعلام» لحرب «العصف المأكول»، كما اسمتها غزة، أو «الجرف الصامد» كما اسمتها إسرائيل!
بعيداً عن «الأجندات» الخاصة
وبالتأكيد، فإن الكفة ترجح لمصلحة «العصف المأكول» وللإعلاميين الجدد، أي الناس بهواتفهم الذكية ومصداقيتهم وتشوقهم لنقل الحقيقية غالبا.
صحيح أن مستخدمي تويتر وفيسبوك وانستغرام وغيرها لا يمتلكون الخبرة التي يمتلكها الإعلاميون التقليديون العاملون في وسائل الإعلام التقليدية، لكن ما رجح كفتهم أنهم لم يكونوا خاضعين لتلك الأجندات الجمعية المسبقة، على الرغم من خضوع أكثرهم من جانب آخر لعواطفهم، إلا أن تلك العواطف المنحازة بطبيعتها، لم تكن لتجعل منهم شهود زور على ما يحدث، ومعظمهم كان مروجاً لأخبار تأتي من شهود حقيقيين على ما يحدث في أرض غزة وبحرها وسمائها.
ولعلها مناسبة لتوجيه التحية لتلك الكتيبة الإعلامية من شباب وشابات غزة، الذين التي كان أفرادها يعملون بشكل فردي كل على حده صامدين أمام أجهزتهم الهاتفية، لكتابة الأخبار وتصويرها ونقلها الى العالم كله قدر استطاعتهم، لقد أبلوا بلاء رائعا في معركة غزة، وساهموا في تنظيف الإعلام العربي، مما علق به من شوائب أثناء ركوده عقوداً طويلة في وحل التقليد والغباء واللامهنية واللامصداقية.. إلا قليلا! تحية إضافية إذاً لهذا القليل.. النبيل!