كتاب سبر

المعارك السياسية للشيخ أحمد الفهد.. رجل بلا بوصلة

إذا كان سجل لأندرية بروتون وسلفادور دالي تبني المذهب السريالي في الأدب والرسم فمن الإنصاف ان يسجل للشيخ أحمد الفهد تبني السريالية في النضال السياسي، فقد أطلق الرجل مشهدا خلال الأعوام الثمان الماضية ليس له مايشبهه في تاريخ الأمم.
ونتج عن ذلك المشهد مايستدعي إخضاعه إلى قراءة عميقة عل وعسى ان تكون ذات جدوى، خاصة أن الأجواء استمرت كما هي وليس هناك مؤشر على مراجعة ذاتية من أي من أطراف المشهد أو من أولئك الذين تورطوا فيه دون أن يحسبوه كما يجب، وإلا لكنا عرفنا بها.
ليس هناك معركة دون ضحايا سوى معركة الطواحين الشهير عندما هاجم دونكيشوت الطواحين بغرض هزيمتها وإستعادة مجد غابر، أما المعارك السياسية كما المعارك العسكرية لها ضحايا وهناك دائما إحتمالات الربح والخسارة واردة، ولايؤثر في تلك الإحتمالات أن هناك من إخترع حالة ثالثة في الفضاء العربي   تحت شعار ” لاغالب ولامغلوب” فليس هناك سوى احتمالين.  
قبل سنوات  كان الشيخ أحمد الفهد خصما سياسيا لنواب كتلة العمل الشعبي وبعض الإسلاميين عندما نشبت معركة تقليص الدوائر الإنتخابية حتى قالوا عنه في مرحلة من المراحل أنه  ربما يكون أحد أضلاع مثلث الفساد في البلاد، وشنوا عليها وعلى غيره حملة شرسة، ويومها وقفت الحركة الدستورية الإسلامية ( حدس )على الحياد. 
عندما عين الشيخ ناصر المحمد رئيسا للوزراء توقع أن يجد في الشيخ أحمد الفهد حليفا يمكن الاعتياد عليه، خاصة وأن الأخير كان له دورا مميزا خلال الفترةة التي تولى فيها سمو الأمير الحالي الشيخ صباح الأحمد رئاسة الوزراء، عندما كانت ” تكتيكاته ” تتسيد الساحة السياسية، مما جلب له الكثير من الخصوم، لكن مع مرور الأيام أكتشف الشيخ ناصر المحمد أن هناك مشروعا موازيا تحول مع مرور الوقت إلى شوكة في خاصرة حكومته. 
في الماضي أيضا كانت الحركة الدستورية خصما لأعضاء كتلة العمل الشعبي حتى وصل الأمر في نهاية الخصومة  إلى إتهام وزير النفط المهندس محمد العليم ( الحدسي ) بشكل غير مباشر بالتواطؤ في مشروع الداو الشهير وتحميل المال العام ما لا يحتمل، وهو أمر لم يثبت على الوزير العليم، وقد أدت تلك الأجواء إلى استقالته، وفي حينها  كان د. جمعان الحربش مدافعا شرسا، وهي من المفارقات الصارخة في تلك الأيام.
سريالية  الشيخ أحمد الفهد تكمن في قدرته التي ينبغي تقديرها حق المقدرة على جمع كل تلك المتناقضات في إطار واحد، وتوظيفها في مشروع لايخدم تلك المتناقضات بل يخدمه هو والمقربين منه، والغريب أن تلك المتناقضات لم تعطي لنفسها مهلة للتفكير فيما إذا ماكان لديها من المسوغات مايبرر تبني مثل هذا المشروع.
الصحيح أن الشيخ أحمد الفهد لم يكن لوحده بل كان هناك شقيقه الشيخ طلال الفهد وهو من يدير إمبراطورية رياضية تسمح له بالإقتراب من الشرائح الإجتماعية المختلفة بكل سهولة، وهناك شقيقه الآخر الشيخ عذبي  الفهد الذي تولى جهاز أمن الدولة أكثر من مرة وقد أدارها بذكاء من الصعب أن تجد مايشبهه، وبما يخدم مشروع الشقيق الأكبر  ويمكن بحق أن يطلق عليه أي عذبي الفهد صانع النواب، فقد تمكن من تسويق أكثر من نائب على الجماهير خاصة في الدائرتين الرابعة والخامسة.
تمكن المشروع في مرحلة من المراحل من ترتيب الأوضاع خلف الكواليس وتشكيل أغلبية برلمانية عسى ان تفرض شيئا ما على الساحة السياسية، لكنها كما يبدو أخفقت فقد دخل على الساحة لاعبا أكثر مهارة وفكك ذلك المشروع إلى أجزاء ولازال يعمل على إعادته إلى مكوناته الأولى.
الصور في إطار المشهد السائد لها مايشبهها في  الستينيات عندما طرح الشيخ جابر العلي  رحمه الله مشروعا مشابها، وحاول بكل مايملكه من أدوات تمريره ليحمله إلى المواقع المتقدمة في السلطة، لكنه لم ينتبه كما أصحاب المشروع الجديد أن الأسرة الحاكمة لاتقبل سياسة “لي الذراع ” في مثل تلك الأمور، ويومها قررت حل مجلس الأمة وترتيب الأوضاع بعيدا عن الشيخ جابر العلي، وقد أصبح ذلك درسا لكل من يتجاوز الآليات المعترف بها من جميع الأطراف والأجنحة داخل أسرة الحكم.
هناك من إنتصر وهناك أيضا من أنهزم، ولافائدة يمكن أن يجنيها المر ء من المكابرةعلى هذا الصعيد، واللعبة السياسية من المرونة بحيث يمكن الإقرار بالهزيمة والعمل على معالجة آثارها، أما للكف عن مثل تلك المغامرات غير محسوبة النتائج أو المحاولة لترميم مالحق باللعبة نفسها من جراح بغية التفكير في مشروع آخر بعيدا عن كل تلك الآليات التي ساهمت في إفشاله، لإن الإستمرار بذات الآليات رغم ماحدث لايمكن أن يغفر لأي سياسي.