أقلامهم

وليد الرجيب: الظن بمضيعة الوقت في قراءة الأدب كفيل بجعلنا خاوين روحياً.

الآداب والعلوم المجرّدة
وليد الرجيب / أصبوحة
كثيراً ما تلفت انتباهي مقالات الصديق البحريني المثقف الأمين العام السابق لجمعية المنبر الديموقراطي التقدمي البحريني الدكتور حسن مدن، خصوصاً الثقافية منها التي تحضّني بدوافع الغنى الروحي لقراءتها، ولا يفاجئني التلاقي الفكري بيننا الذي يشبه توارد الخواطر في مقالاته.
كتب حسن مدن ذات مرة موضوعاً كان يدور في بالي، وكنت قد كتبت مقتطفات جزئية منه في أماكن متفرقة، كما ضمنته حديثي وحواراتي مع بعض الأصدقاء، والموضوع هو أن كثيراً من العلماء والمفكرين المبرّزين الذين تركوا بصمة في تاريخنا أو ساهموا بتغييره، كانوا شغوفين بقراءة الأدب والاستمتاع بالفن، بل كتبوا كتابات إبداعية رغم جفاف تخصصاتهم العلمية.
وقد أورد د. مدن كتاب «حكايات عن بعض علماء الطبيعة المشتغلين بالفيزياء والكيمياء والرياضيات»، ويذكر كتاباً كتبه س. س. بورير خصّصه للمراجع الأدبية في كتابات كارل ماركس، ففي المجلد الأول لكتابه «رأس المال» الأهم في المؤلفات الاقتصادية السياسية عبر تطور التشكيلات الاجتماعية البشرية، حيث يتكون هذا الكتاب من ثلاثة مجلدات ضخمة مطبوعة إضافة إلى مجلدات لم تطبع، في هذا المجلد الأول فقط وجد بورير عدداً كبيراً من الاقتباسات من شكسبير وغوته وفولتير وهوميروس وسوفوكليس وافلاطون وبلزاك ودانتي وسيرفانتيس وغيرهم، ما يكشف بما لا لبس فيه حجم قراءات ماركس الأدبية وتأثره بها، وبالفعل من يقرأ كتاب ماركس الضخم «رأس المال»، يجده يحمل تعبيرات جمالية واقتباسات أدبية من كثير من الشعراء والروائيين والمسرحيين، وهذا ينسف الصورة النمطية عن العلماء بأن مشاعرهم جافة وجامدة لا حياة فيها.
وهذا الأمر ينطبق ويتكرر عند بعض المفكرين والفلاسفة والمهمومين بالعمل السياسي، ففي كتاب «هديل اليمام وراء القضبان» للمبدع المصري سمير عبدالباقي، يورد مجموعة من المناضلين اليساريين الذين أبدعوا داخل السجون، منهم المفكر الراحل محمود أمين العالم الذي كتب القصة القصيرة والشعر والنقد الأدبي، وأيضاً من المعروف أن المفكر اللبناني الشهيد مهدي عامل نشر ديواني شعر أحدهما باسم مستعار، وكذلك اهتم المفكر اللبناني الشهيد د. حسين مروة بالنقد الأدبي والتراث الثقافي الإسلامي، بل تؤكد بعض الكتابات أنه كتب القصة القصيرة في فترة من حياته، واهتم لينين قائد الثورة الروسية بالأدب بشكل استثنائي، واستشهد بالأدباء الروس العظام مثل تولستوي ودستيفسكي وبوشكين وغيرهم، وهو ما يفعله الآن د. حسن مدن الذي كان أميناً عاماً للمنبر الديموقراطي التقدمي البحريني، من خلال شغفه وكتاباته الأدبية والثقافية، وهو السياسي الذي خاض المعترك السياسي النضالي عقوداً طويلة.
وبرأيي الخاص أن من شأن الإبداع الأدبي والفني أو الاطلاع الواعي عليه، أن يغني عقول وأرواح العلماء والفلاسفة، فالأدب يقدم عوالم وأمثلة واقعية ذات صبغة جمالية، تشكل الأساس الروحي والذهني للمناضل السياسي وعالم الطبيعة والاقتصادي ورجل اللاهوت وغيرهم، بل ان من خلده التاريخ منهم هو من اغتنى بالأدب والفن، بحيث شكل جزءاً من تكوينه الذهني والشخصي ووسّع مداركه وخبراته الحياتية، على عكس من يظن بأن قراءة الأدب أو تذوق الفن هما مضيعة للوقت وأمر ثانوي بالنسبة لما يعتقدون أنه أمر أكثر جدّية وأهمية، وهذا كفيل بأن يجعلهم خاوين روحياً وعابرين في حياة البشرية.