أقلامهم

دويع العجمي: اعتراف مثقف ساذج.

اعتراف مثقف ساذج 
الكاتب:   دويع العجمي 
البداية:
“وماخُلِق الإنسان من طين إلا دلالة على التشكل والتغيير”..
– التقيته مصادفة بعد غياب طويل، فقد تزاملنا فترة الدراسة ومرّت سنوات لم نلتقِ، اختصرت مسافة الحديث معه وعلمت أنه سكن حديثا في الحي نفسه الذي أسكنه، ساذج وسخيف هكذا كان وثرثارا ويتدخل بما لايعنيه، وكنت من القلائل الذين يتجاهلونه فترة الدراسة. فأسلوب حياته وطبيعته لايتناسبان مع شخصيتي وتركيبتي الهادئة وصورته عادت بسرعة عندما التقيته وهذا سبب تجاهلي له.
حاول مرارا التواصل معي ولا أعرف من أين جاء برقمي الشخصي ليصدمه برود تجاوبي معه وكأني أبلغه برسالة مفهومة أنك لست محل ترحاب، خلال فترة قصيرة سعى لصداقة لم أهتم بها وبعد حين وصل لليقين بأني شخص مترفع عن أمثاله فانسحب بهدوء.
“وهذي عواقب من تغرّه سنينه”
بمناسبة تخرج ابنه حضرنا وليمته، جارنا الذي لم نعرف عنه إلا كل خير وبمجلسه التقيت ذاك الزميل السابق الذي تجاهلته مرارا لأرى شخصا مختلفا تماما عن الصورة الثابتة في ذهني منذ سنوات ؟!
محترم .. هادئ .. لبق بالكلام .. يناقش بموضوعية ويطرح أفكاره بترتيب جميل ولفتني تهذيبه بالكلام مع من يكبره، ماعاد ذاك الساذج الثرثار السطحي فقد تغير كليا وبات شخصية تحترمه من أدب حديثه ورزانته.
حزنت على حالي ولُمت نفسي كثيرا بأني كوّنت انطباعا ثابتا عنه رغم مرور خمس سنوات يتغير فيها كل شيء ولم أسمح له بفرصة لأرى منه وأسمع.. فمع الحياة وتقدمنا بالعمر ننضج ونتعلم من كل تجربة.
ولأننا نتعلم من دروس الحياة علينا أن الانحكم على الآخرين بصورة ثابتة فقد خلَقَ الله الإنسان من طين وهو في حالة قابلة للتشكل والتغيير وفق البيئة التي يعيشها وتجاربه التي ينضج معها ويصبح أفضل، لقد قرأت أن أصدق المهن هو الخيّاط لأنه في كل مرّة يأخذ مقاسات جديدة ولايعتمد على القديمة فهو يؤمن بأن كل شيء يتغير ولايثبت على حال وعلينا أن نتمتع بهذه الثقافة بتقبل تغيّر الآخرين وتبدل أحوالهم فالتغيير هو الثابت الوحيد.
حتى المشاعر تتبدل فمن تحبه اليوم قد تكرهه غدا ومن كان مهما بالأمس قد يصبح شخصا هامشيا لاتهتم به فالقلب سُمّي بذلك لكثرة تقلّب أحواله ولذلك علينا تكرار الدعاء:
“اللهم يامقلب القلوب ثبّت قلبي على طاعتك”..
أعترف.. بأني خذلت نفسي بحكم مسبق على شخص لم ألتقه منذ سنوات، تغيّر ونضج وتعلم، حتى نحن من نُعظّم أنفسنا ونعاني تضخم الذات نتغير من حيث لانعلم.. فأنصار الجمود لايعيشون.
حاولت مد جسور التواصل من جديد مع من ظلمته بغرور ساذج حتى أروي ظمأ تأنيب الضمير بالرضى وتدارك الأخطاء وتصحيحها.. لكن للأسف غروري أهان كرامته وأعذره.. اتصلت به فلم يرد وبعد حين التقيته فصافحني ببرود ومضى ليحافظ على كبريائه المحمود ولأن لكل شيء نهاية فلا حاجة للتبرير، اكتفيت بمحاولاتي وهي اعتذار مبطن فهمه ولكن ليس كل اعتذار يبني الأشياء من جديد فالكرامة لاتسامح فيها.. لابأس هو درس جديد أضيفه لصفحات حياتي وتعلمت منه ولصاحبي القديم كل الاحترام.
إضاءة:
“من كل تجربة بالحياة لنا العبرة والخبرة والعظيم من يتعلم منها”..
آخر السطر:
العيب يافهيد مهوب بالسنين اللي مضت، العيب والله باللي يستصغر الناس وهو “عدم”