أقلامهم

فهيد البصيري: المرتزقة العاطلون عن العمل يجدون في «داعش» فرصة للثراء السريع

كيف نقضي على «داعش»؟
| د.فهيد البصيري |
ليس المهم من يقف وراء «داعش» ولكن الأهم هو كيف نشأ لكي نقضي عليه ونضمن عدم ظهوره من جديد.
ومن يقف وراء «داعش» كثيرون، ويسيرون على مبدأ مصائب قوم عند قوم فوائد، وقد تستغربون إذا قلت لكم إن العالم كله مستفيد من «داعش» حتى أنا!، فالأميركيون يرون فيه إشغالا لإيران وإنهاكاً لنظامها، والإسرائيليون يرون في «داعش» إبداعا إرهابيا يفوق إرهابهم!، والنظام السوري يرى فيه إجهاضا للثورة السورية، والنظام العراقي الطائفي يرى فيه تشويها لحركة تمرد العشائر السنية، والروس يرون فيه توريطا للغرب، والبعثيون السابقون يرون فيه فرصة لإحياء أمجاد البعث، والمصريون يعتمدون عليه لإقناعنا بخطورة الإخوان، ويجدون فيه منفذا لتصدير التكفيريين وتخفيف الضغط عليهم في ديارهم.
أما المرتزقة العاطلون عن العمل فيجدون في «داعش» فرصة للثراء السريع، ويعتقدون أنها فرصة لإعلاء كلمة الله، وبالمرة ضمانا لدخول الجنة بكبسة زر، أما أنا فأجد فيه فرصة ذهبية لكي نضع الفكر الإسلامي المتشدد على المحك، ليرى المغرر بهم بالتجربة والبرهان حقيقة المشروع الإسلامي التكفيري دون مكياج أو مونتاج، وأجد فيه برهانا قاطعا على فشل كل مشروع طائفي يعيش على مخلفات أفكار العصور الوسطى.
والمشكلة ليست «داعش» نفسه فنحن نعيش في بحر متلاطم من الدواعش، ومن كل صنف ونوع، وقائمة الإرهاب الدولية والعربية تضم السلف والإخوان والحوثيين، والقاعدة، وطالبان و«بوكو حرام» يا حرام، و«حزب الله»، و«حزب الدعوة»، و«أنصار الشام»، و«عصائب الحق»، وتيارت سمعنا عنها، وتيارات لم نسمع عنها، وجماعات ماتت، وجماعات في المخاض وستلد لنا كابوسا في الطريق، وكلها تنهل وترتوي من نفس المنبع التراثي الذي ينهل منه «داعش»، ولكن الحماس والتقدير والفهم متفاوت، وكلهم بلا استثناء يعتقدون أنهم على الحق وغيرهم على باطل، وأنهم في الجنة وغيرهم مخلدون في النار، ومشكلة المشاكل أنهم يظنون أنفسهم مسؤولين عن هداية العالم، وعلى استعداد للدخول في حرب مقدسة مع الدنيا كلها، متى ما قويت شوكتهم وسمحت لهم الظروف! فهم يحلمون بكرة أرضية على هواهم!
والتحالف الدولي المزعوم لن يحل المشكلة، فداعش وأخواته لا يخضعون لميزان القوى العسكرية، والمسألة ليست حربا بين دولتين، فقبل داعش شن التحالف حربا على العراق، وقبل العراق شن التحالف حربا على القاعدة في أفغانستان، والنتيجة هي نصر إعلامي للتحالف، وعودة دموية للمتطرفين.
و«داعش» ليس دولة بالمفهوم السياسي، وجنوده ليسوا جنودا بالمفهوم العسكري، بل أشباح لا يمكن رصدهم أو تحديد قوتهم، ولا تعلم كيف يُخلقون، ولا من أين يأتون!
وسواء دكوهم بالصواريخ، أو أحرقوهم بالتصاريح، ففي النهاية لن تختفي هذه الأشباح من حياتنا،لأنها ببساطة سليلة فكرنا الإسلامي ولكن بعد فبركته، لذا لا نستطيع التبرؤ منها بسهولة، بل ولدينا استعداد بأن نستمع لها وكثيرا ما نتفق معها! فهم يخاطبوننا بلساننا، ويجادلوننا في فكرنا، وينطلقون من عقيدتنا، ويمتحنون إيماننا!
وحل لغز «داعش» قلته ألف مرة ومرة، وقلته قبل ظهور «داعش»، وبعد ظهوره، وسأقوله بعد ضربه أيضا، لأن المشكلة لن تنتهي، فالرصاصة لن تقتل الفكرة، والموت لا يخيف حتى المؤمنين بالتناسخ، وحل اللغز يكمن في إعادة دراسة فكرنا وتراثنا الإسلامي، وتنقيحه مما علق به على مر الدهور، وتجديده لكي يصبح متناغما مع عصر العلم والأنوار، لكي يصبح أكثر واقعية وصلابة وإقناعا، فنحن لا زلنا ننظر للأمور كما ينظر إليها من عاش قبل ألف عام، ولو عاش هؤلاء معنا اليوم لتبرأوا مما كتبوه، فهم في النهاية بشر، اجتهدوا فأصابوا، ولكن من المستحيل ألا يخطئوا، ولكننا لا نريد أن نقتنع أو نفهم رغم الدروس الدموية اليومية!
لذا لا تستغربوا ظهور «الدواعش» بيننا من كل صنف ولون، فهذا أمر طبيعي فنحن بلد المنشأ، وهل تستغرب مشاهدة سيارة مرسيدس في ألمانيا؟!