أقلامهم

سعدية مفرح: من أيد انقلاب مصر، هو نفسه من وصف الحدث الاسكتلندي بالحضاري!

 أسفار 
{نخبتنا}.. واستفتاء اسكتلندا! 
الاسم: سعدية مفرح 
هالني ما تابعته على مواقع التواصل وبعض الصحف والتلفزيونات من هوس عربي شامل بالحدث البريطاني الأخير وأعني به الاستفتاء على انفصال اسكتلندا عن بقية بريطانيا كدولة مستقلة، قبل أن أكتشف أن هذا الهوس العربي يمثل صورة لهوس عالمي شمل الجميع تقريبا. ورغم ان الانكليز أنفسهم، كما يبدو، تعاملوا مع الأمر ببرودهم المعتاد، إلا أن هذا لم يمنع من تداعي الحدث وسريانه الإعلامي بشكل أزاح أخبار المناطق الملتهبة مؤقتا ليحل محلها الخبر الأسكتلندي بكل تفاصيله التاريخية والراهنة.
أخبار الحروب والقتل والدمار والتفجيرات والانقسامات تغطي الكرة الأرضية كلها، وبالتالي فإن خبرا يتعلق باستفتاء سلمي حول قضية كبرى كانت ستزلزل بريطانيا كما لم يحدث لها في كل تاريخها المعاصر لو صوّتت أغلبية الأسكتلنديين بـ «نعم»، لا بد أن يثير اهتمام العالم كله ويصبح محور إعجاب الجميع. لكن الاسكتلنديين صوتوا بـ «لا»، ولم تأت نتيجة الاستفتاء كما كان يأمل دعاة الاستقلال كما يسمون أنفسهم، أو دعاة الانفصال كما يسميهم مخالفوهم، وبالتالي فقد خفت حدة الحدث، خاصة بعد أن رأى العالم كيف أن الجميع في بريطانيا تقبل النتيجة في هذه المرحلة من مراحل تاريخ اسكتلندا العريق والملتبس مع التاريخ البريطاني في أحداث وحكايات ومعارك وبطولات ونضالات قرأنا عنها ورأينا بعضها مجسدا على الشاشات في أفلام ومسلسلات.
وأنا أتابع نتيجة الاستفتاء كنت أستحضر صورة الفنان ميل غيبسون في فيلم «القلب الشجاع» الذي جسد فيه شخصية البطل الأسكتلندي التاريخي وليام ولاس ونضالاته البطولية قبل قرون عديدة من الزمن. لكن صرخته، التي كانت تدوي في سهوب أسكتلندا آنذاك فتستجيب لها التلال والجبال، تلاشت في صناديق الاستفتاء وتحولت الى كلمة «لا» التي اختارتها أغلبية الشعب الأسكتلندي مفضلة ان تبقى تحت حكم التاج البريطاني في هذه المرحلة من تاريخ القضية على الأقل.
في خطاب الاقرار بالنتيجة والاعتراف بالهزيمة قال رئيس وزراء اسكتلندا وقائد حملة الاستقلال أليكس ساموند في بلاغة موجزة «قررت اسكتلندا في هذه المرحلة ألا تصبح دولة مستقلة»، وكأنه يشير الى أن معركة قد وضعت أوزارها للتو في الاستفتاء لكن الحرب مستمرة وإن اختلفت أدواتها. فهناك المزيد من الاستفتاءات المستقبلية، إذاً على بريطانيا، التي لم تعد عظمى، أن تواجهها بالشكل الحضاري نفسه الذي ظهر عليه الاستفتاء الأول وجلب لها اعجاب الآخرين من جهة، واستغراب غيرهم من جهة أخرى. أما الاعجاب فيعود لسلمية الحل الذي توافق عليه الطرفان، وأما الاستغراب فهو لجوء بريطانيا الى حل سلمي كهذا، وهي التي ساهمت في تقطيع أوصال بلاد كثيرة أبرزها بلادنا العربية بالحروب تارة وبالدسائس والمؤامرات تارة أخرى. وقد عبر عرب كثيرون، عن إعجابهم واستغرابهم في آن واحد.
أما أنا فقد تفرغت لهوايتي الجديدة في رصد التناقضات العربية على تويتر خصوصا بين من يصفهم البعض بـ «النخبة العربية» أو «المثقفين العرب»، وكان أغرب مارصدته من ردود فعل لهؤلاء «النخبة» على استفتاء اسكتلندا، أن كثيرا ممن أيد انقلاب مصر العسكري على التجربة الديموقراطية الثورية وتغاضى عن مذبحة ميدان رابعة يومها، هو نفسه من وصف الحدث الاسكتلندي بالحضاري!، أي أنه أشاد بالبريطانيين لأنهم قرروا مصيرهم عبر الصندوق، تماما كما سبق أن اشاد بالانقلابيين في مصر لأنهم قرروا مصيرهم بالانقلاب على الصندوق عبر مذبحة! والعجيب أنه ناقض نفسه بهذا الشكل علنا ومباشرة وبلا خجل ببرود نافس به برود الانكليز أنفسهم..
ولله في خلقه لتلك «النخبة» شؤون!