أقلامهم

خلود الخميس: لا ندري إن كان حكام العرب تعلموا من الربيع العربي.

الـ «Scottish».. عيال بطنها!  
بقلم: خلود الخميس 
 
بدأت حروب اسكتلندا من أجل الانفصال بعد قيادة ملك إنجلترا إدوارد في العام 1276 جيشاً غازياً واحتلاله قلعة ستيرلنغ، وهي أحد أهم معاقل اسكتلندا، وفي 1707 دخلت اسكتلندا في اتحاد مع المملكة المتحدة.
أربعة قرون وثلاثة عقود، عمر الصراع الاسكتلندي مع التاج البريطاني، بين معارك وقتال وحوار وهُدَن وعمليات اغتيالات، وكلها في سبيل الانفصال، وعندما جاءت الفرصة عبر الأسلوب الحضاري بالاقتراع الحر المباشر للشعب الاسكتلندي ليختار استقلاله، فضّل ما يفوق النصف بنسبة 55% من 84% مشارك في الاستفتاء البقاء في جلباب المملكة المتحدة بمقابل 45% أرادوا الانفصال.
المعروف أن حملات الانفصال في أي مكان غالباً ما يقودها فكر قومي وأقليات، ولا شعبية لها بمقابل الفكر الوحدوي الديمقراطي ما دامت هناك عدالة اجتماعية ورفاه اقتصادي واستقرار سياسي ومشاركة في اتخاذ القرار.
والعكس صحيح، فكلما انخفضت العوامل الأخيرة ارتفع صوت الانفصاليين وزاد أتباعهم، إذاً فدعاوى الاستقلال لا تأتي في ظل وجود مواطنة متساوية في الحقوق والواجبات، وعدالة في توزيع ثروة وسيادة دولة القانون والمؤسسات.
ويبدو أن الإعلام البريطاني كان متأهباً لفشل الانفصال، فقبيل انتهاء نتائج الاستفتاء وظهور بوادر رفض الاستقلال، نشرت «التايمز» صورة معبرة بحجمها وتفاصيلها لزعيم حملة الانفصال ورئيس الوزراء الاسكتلندي «أليكس سالموند»، الذي استقال إثر سقوط مشروعه القومي، وهو ينظر لأسفل وكتبت: «سالموند يستقيل بعد فشل محاولته في استقلال اسكتلندا».
وعلى الرغم من الخسارة أرسل «سالموند» وبقوة تحذيراً للحكومة البريطانية من مغبة التأخر في تنفيذ وعودها للاسكتلنديين بمزيد من السلطات إذا اختاروا البقاء ضمن المملكة المتحدة، بينما من جهته أعلن عضو مجلس العموم البريطاني عن حزب المحافظين «مايكل غوف» أن هناك احتمالاً بأن يتعطل نقل مزيد من السلطات إلى الحكومة الاسكتلندية حتى يوافق حزب العمال المعارض والذي أكد رئيسه «أد ميليباند» بدوره أنه سيعارض تعديل القوانين البريطانية لإنشاء برلمان انجليزي، الأمر الذي اشترطه حزب المحافظين الحاكم لنقل مزيد من السلطات للحكومة الاسكتلندية.
هذا الصراع بين أكبر حزبين بريطانيين قد يعطل بشكل كبير تنفيذ الوعود التى قطعتها حكومة كاميرون على نفسها بمنح مزيد من السلطات للحكومة الاسكتلندية، والمستقبل القريب سيوضح كيف سيتدبر «كاميرون» المرحلة الحساسة جداً وهي أن يفي بوعوده لمن هو في موقف الخاسر، هنا ستتبين حقيقة أخلاقية إدارته من عدمها، وستنكشف نوايا التآلف والاعتراف بحقوق الاسكتلنديين في مطالباتهم، أو نقض العهود المقطوعة لهم باعتبار اختيارهم البقاء على الانفصال اعترافاً بالرضا بالواقع.
ويبقى تداول السلطة السلمي هو التاج الملكي الحقيقي على رأس التجربة، واستطلاعات الرأي العام أشارت الى عدم وجود مستوى كبير من العداء للإنجليز من الاسكتلنديين، وهنا يأتي محور التعايش الذي تجهله دول الشرق الأوسط وأفريقيا وأي دولة يتناحر فيه الفرقاء ليسود بعضها على أشلاء الآخر.
أحياناً كثيرة تكون الحروب تعبيراً عن إحباطات الشعوب ورغبتها في تحسن أوضاعها وليس بالضرورة تغيير أنظمة الحكم، ففي المنطقة العربية والدول التي ينتشر فيها الفقر والمرض والجهل، بالإضافة إلى السلطوية السياسية، تثور الشعوب من أجل الحياة، لا من أجل الكرسي، ولكن يأبى بعض الحكام إلا اتخاذ ماري انطوانيت وبسكوتها قدوة!
لا ندري إن كان حكام العرب تعلموا من الربيع العربي أن لو بدأوا بالإصلاح والاستماع لصوت الشارع ومطالبه المستحقة لما آلت المنطقة الى ما آلت اليه الآن من تدمير شامل بسبب «سوء تفاهم» بين شعب وحاكمه!
تجربة اسكتلندا على مدار قرون انتهت بتصويت، نسوا الدماء والتضحيات والأحلام ليبقوا في أحضان الاتحاد، العالم الواعي يتحد، بينما الجاهل يتفرق، أمر إلهي واضح «ولا تفرقوا» يعصيه مسلمون كثر تحت رايات ما أنزل الله بها من سلطان، وكله بسبب الجهل بالعلم الشرعي.
أولئك فقهوا مفهوم الوحدة وآثروها على التشرذم، وضعوا جاهلية الثأر للماضي والاقتصاص من الحاضر خلفهم ليحققوا مستقبلاً لأجيالهم القادمة، فئة الشباب الـ «اسكوتيش» بين 16 و17 صوتوا ضد الانفصال، ضمن استطلاعات رأي خلال الخمس سنوات الماضية، أي بالتوازي مع ربيعنا الذي نُتفت زهرة شبابه عناداً واستكباراً من أولي الأمر.
فهل يعتبر الجميع ؟!