كتاب سبر

الغزو الحوثي

فجأة ومن دون سابق معرفة بدأت الأنظار تتجه إلى اليمن بعد دخول الحوثيين إلى العاصمة اليمنية صنعاء وإجبارهم الحكومة على الاستقالة. 
كل ما يعرفه غالبية الناس عن الحوثيين هو ما تنقله إليهم وسائل الإعلام المناوئة لهم بأنهم متمردون على الدولة وأنهم يستمدون الدعم من إيران وينفذون أجندتها في المنطقة، ولذلك فكثير من هؤلاء يعتبرون أن الحوثيين هم غزاة وطارئين على اليمن، ولا يعلمون أن الزيدية (الذين يقولون بإمامة زيد بن علي بن الحسين) الذي ينتمي إليها الحوثيين هم حكام اليمن منذ أكثر من ألف سنة بدءاً بالإمام يحيى بن الحسين بن القاسم بن يحيى بن زيد بن علي الذي قدم من الحجاز إلى صعدة ولقب بالإمام الهادي بالحق وتقلد الإمامة إلى حين وفاته عام 298 هجرية، وأن الدول الزيدية استمرت على مراحل إلى حين سقوط دولتهم على يد “الضباط الأحرار” عام 1962 بمساعدة من مصر أيام جمال عبدالناصر.
أما من حيث تمثيلهم في المجتمع اليمني فهم يشكلون ما بين 30-35% من سكان اليمن فيما يشكل الشوافع بقية المجتمع اليمني، والزيدية يشكلون الأغلبية في المناطق الشمالية من اليمن وخاصة في صعدة وصنعاء، وهم عرب أقحاح ينتمون إلى أكبر القبائل العربية، وليسوا فرساً أو ديلم. 
إذاً الحوثيون ليسوا غرباء على المجتمع اليمني كما يريد أن يصورهم إعلام خصومهم.
أما من حيث التاريخ السياسي الحديث فإن حركة الحوثيين ـ نسبة الى مؤسسها حسين الحوثي، الذي قتل على يد القوات اليمنية عام 2004، ويعرفون باسم «انصار الله» حاليا و”الشباب المؤمن” سابقا، تأسست عام 1992، اي في عهد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وقد اسسوا حركتهم هذه نتيجة ما تعرضوا له من تهميش وتمييز من الحكومة اليمنية انذاك، وخاضوا معاها ستة حروب دموية أخرها كان في عام 2010.
أما الأحداث التي وقعت في صنعاء الأسبوع الفائت فلم تكن مع الجيش اليمني وإنما كانت مع القوات الموالية للواء علي محسن الأحمر ولحزب الإصلاح الذي يمثل الإخوان المسلمين في اليمن والذين كانوا يهيمنون على الحكومة برئاسة محمد سالم باسندوة. 
وبعد أن حيد الجيش اليمني نفسه عن الدخول في هذا الصراع لم تحدث أية عمليات تصفية أو مذابح ولم يلجأ الحوثيون إلى تسلم السلطة بل أكتفوا بتأمين مؤسسات الدولة، وهذا ذكاء منهم حتى لا يقعوا في الخطا الإستراتيجي الفادرح الذي وقع فيه الإخوان المسلمين في مصر عندما وصلوا إلى إلى السلطة وأرادوا التفرد بها، فكان نتيجة ذلك ردة فعل عنيفة كانت وبالاً عليهم، وها هم اليوم يدفعون ثمنها غالياً ، ليس في مصر فحسب بل في غالبية الدول العربية وأخرها اليمن.
خلاصة القول أن محاولة شيطنة الحوثيين واعتبارهم الذراع الإيراني في اليمن هي محاولة مدفوعة بتأثير العصبية الطائفية، وإلا فإن الإنصاف يستدعي القول بأن الحوثيين هم أحد مكونات الشعب اليمني ومن حقهم المشاركة في النظام السياسي الذي ظلمهم وأقصاهم لفترة طويلة.
 
بدلاً من استخدام السلاح الطائفي وحالة الهستيريا التي استولت عليهم على الإخوان المسلمين إعادة النظر في تجربتهم القصيرة في الحكم والاستفادة من الأخطاء التي وقعوا فيها وإلا فإنهم سيظلون لفترة طويلة في المأزق الذي هم فيه.
بقلم.. د. صلاح الفضلي