كتاب سبر

بقلم.. "الوشيحي"
من نحن؟.. عيال ذراعها يا باردي الوجوه

من أنتم؟ مزورون أتيتم البارحة فزاحمتمونا في أرزاقنا، وكنتم بالأمس لا تنبسون بحرف واليوم علت أصواتكم.. لا تتحدثون لهجتنا، ولا تتطبعون بطباعنا، ولا تقطنون مناطقنا، ولا ولا ولا.
ألا يا باردي الوجوه.. من نحن؟ نحن عيال ذراعها. نحن أبناء هذه الأرض، نحن أحفاد من سالت دماؤهم على ثراها عندما اختبأ البعض، ولاذ آخرون بحماية الأجنبي.
من نحن؟ نحن جيل من أبناء القبائل يرفض تسييس القبيلة، ويرفض اعتبار الفرعيات “سنام الحمية”. لذا حاربنا هذه وتلك، ورفضنا أي دور سياسي لشيوخ القبائل، وتحملنا غضب من لا يعجبه تغيّر الأوضاع.
من نحن؟ نحن الجزء الأكبر من أبناء القبائل، ممن رأى القبائل في منزلة لا تليق بها، بسبب طمع بعض أبنائها وذلة في قلب آخرين وجهل في الحقوق؛ فهذا قبليّ يتذلل بقصيدة بين يدي شيخ أو تاجر، وذاك يفقد وعيه رعباً إن زاره مسؤول رفيع، وأقصى طموح أولئك ابتسامة من ذلك المسؤول، الذي هو في حقيقته لص وضيع لا يساوي حبة شعير في سوق الرجال…
نحن من حثا التراب في وجه الشاعر المتذلل، ووبخناه على مرأى الناس ومسمعها “اعتز لعن الله رأسك الخانع، حتى شارفت هذه الظاهرة القميئة المهينة على الانقراض.
نحن من صرخ: الفرعيات هي مطلب السلطة، للسيطرة على القبائل، وأكثر من يحرص على الفرعيات من ليس في كنانته سهام، ولا في رصيده إلا عدد أبناء فخذه وحمولته، والحمية في وادٍ والفرعية في وادٍ آخر.
نحن مجموعة كبيرة من أبناء القبائل، حملنا قبائلنا على أكتافنا، وفاخرنا بلهجاتنا، وطباعنا، ومناطقنا، فتشجع غيرنا، بعد أن كان البعض يلوي لسانه تقرباً للشيوخ والتجار، ويتبرأ من كل ما يربطه بالقبيلة.  
ولشدة ما أزعج اللصوص هذا الصوت الرافض للفرعيات والخنوع ووو… صاروا يشيعون بين الناس: أصحاب هذا الطرح يشتمون القبائل، يحاربونها، يهينونها… والعجب أن أكثر من فرح وأعلن سعادته بخبر سحب جنسيات أبناء القبائل وتشريد نسائهم وأطفالهم، يأتي اليوم ليتباكى على القبيلة ومكانتها.. ويا للعجب!
من نحن؟ نحن جيل من أبناء القبائل، رآكم تهينون أبناء القبائل وبناتها، وتريدون أن تجلسوهم هناااااك، عند الأحذية، وتعتبروهم مجرد أتباع لا عز لهم ولا مجد، فتصفعون من يرفع رأسه منهم، وتغدقون العطايا على من يقبل أقدامكم منهم، فارتقينا قمة أعلى جبل وصرخنا مخاطبين القبائل: “أنتم أهل الدار، حالكم من حال بقية الكويتيين، لستم أعلى منهم، ولا هم أعلى منكم”، فغضبت السلطة عند سماعها “صوت المنبه”، خشية خسارة هذه “القوة العمياء” المتمثلة في من يجهلون حقوقهم.
من نحن؟ نحن يا باردي الوجوه مَن إذا “نشف ريق” عزيز علينا، وكشرت له الدنيا بأنيابها، وجثا على ركبتيه بعد أن أثقلته الحمول، وكبّله الظلم… تسابقنا إليه، فحملناه على أكتافنا، وكسرنا أنياب الدنيا حمية له، وأجلسناه في صدر المجلس.
من نحن؟ نحن يا فاقدي النخوة، من إذا شعرت إحدى بناتنا بالغبن، وأراد الأنذال تجويعها، وذرفت عينها دمعة قهر.. قبل أن تلامس دمعتها الأرض، نأتيها من كل فج عميق، نجري بأقصى سرعاتنا، بعد أن حذفنا عمائمنا، تسبقنا صرخاتنا: “لبيش”، فتمسح دمعتها، وترتسم بسمة العز على شفتيها، وتعتدل في جلستها، ويرتفع رأسها زهواً، وتفاخر بنا بين قريناتها، فيحسدنها.
من نحن؟ نحن من حذرهم المحبون: “اخفضوا الصوت هذه الأيام حتى تمر العاصفة.. اخفضوا الصوت فالحديدة حامية”، فكان ردنا: “رؤوسنا هي الحامية ولا نامت أعين الجبناء”.
من نحن؟ نحن من نحب الشرفاء ويحبوننا، كل الشرفاء من جميع الفئات والطوائف. يستندون على أكتافنا، وننتخي بهم. لا يلتفت أحدنا إلى أصول الآخر ولا إلى عرقه ولا مذهبه، يجمعنا عشق هذا البلد والولاء له.
من نحن؟ نحن من يخشى كبار اللصوص مواجهتنا، فيختبئون خلف بشوتهم خوفاً منا، ويطلقون كلابهم تنبح علينا، ليقينهم بأننا لا نرفع بيارقنا في وجوه الكلاب. بينما إن أردنا نحن البطش بهم جئناهم بوجوه مكشوفة، يرونها بوضوح لا لبس فيه.
من نحن؟ نحن من لا يعض ابهامه ندماً إذا ما فاق من سكرة الحمية.. نحن من ربوهم شيبانهم على نطح العواصف والأعاصير.. نحن من ستتحدث أجيال لأجيال عن همتنا وفزعتنا وحميتنا، وتتناقلها الألسن كالأساطير.. نحن من سيفاخر أحفادنا بنا.
من نحن؟ أفعالنا تخبركم من نحن. اختبئوا أنتم خلف نسائكم هناك، وراقبوا فعلنا، وتمتموا وأنتم تفركون كف الحقد بكف الغضب: “كلما أردنا إذلال هؤلاء القوم ازدادوا مجداً وشموخاً”.
من نحن؟ نحن من لا نقبل أن نكون مثل “خرفان المسلخ”، يُذبح كل يوم واحد منها والبقية تنتظر دورها.
هل عرفتم من نحن يا باردي الوجوه؟