أقلامهم

راكان بن حثلين: الفساد أمر واقع، وسمة تتصف بها الكويت.

رأي
كلنا حكومة ولكن..! 
راكان بن حثلين 
لا يمكن لنا الا أن نتفق والى أبعد مدى مع مجلس الوزراء في التوجه لترشيد الانفاق، وتخفيف الضغط عن الميزانية العامة التي باتت تترنح تحت وطأة الاستنزاف المستمر، والانخفاض الذي طرأ على المورد الاقتصادي الوحيد الفريد بعد تراجع الاقبال على شراء البترول لأسباب يطول التفصيل فيها، وربما نتفق أيضا مع الحكومة اذا ما أرتأت العمل بنظام الشرائح لترشيد استهلاك الكهرباء والماء، بعد استكمال وضع الضوابط التي تضمن عدم تضرر معيشة المواطنين وخصوصا الطبقة المتوسطة.
ولكن لا يمكن بأي حال أن نقبل بتوجه الحكومة الى رفع أسعار الديزل والكيروسين، أو أن نقتنع بتبرير ذلك التوجه بأنه يأتي «تمهيدا للحد من تهريب المشتقات البترولية المدعومة الى الخارج، والايحاء بأن هذا القرار اذا تم يأتي انسجاما مع المطالبات المتكررة بوقف سرقة المال العام عبر هذا الباب الذي ظل مفتوحا لسنوات طويلة بعلم الحكومة».
حكومتنا.. احترموا العقول على الأقل اذا كنتم تتكلمون بمنطق المسؤولية والجدية.
من يصدق أن دولة كاملة الأهلية والسيادة تعجز عن رصد وضبط صهاريج عملاقة تفوح منها رائحة المشتقات البترولية، وأموال طائلة تتكدس في حسابات بلغت حد التخمة من التضخم، ومحاسبة من يقف وراء هذا الفساد من شيوخ ومتنفذين؟!
من يصدق أن دولة مثل الكويت تسبح على بركة من النفط، تتحول الى مرحلة من التقشف فجأة ودون النظر الى الآثار التي ستنعكس على سائر المواطنين؟ أم أنها تحقيق لنبوءة برنامج العمل الحكومي «المنفية»، ونهاية مبكرة لدولة الرفاه؟
اذا كان الفساد أصبح أمرا واقعا، وسمة تتصف بها الكويت على عدة أصعدة، ولاسيما الصعيد السياسي بعد فضيحة «الايداعات» فلا حول ولا قوة الا بالله، وقد صبر الشعب على هذا الوضع رغم مرارته، وغلب مصلحة البلد واستقراره على الكثير من المطالب الاصلاحية المستحقة، وكله عشم في أن يأتي من البطانة الصالحة من يلتزم بتوجيهات سمو الأمير بتطبيق القانون على الكبير قبل الصغير، وأن يحارب الفساد الذي وصفه سموه بأنه «ما تشيله البعارين»، ولكن هذا الشعب لن يقبل أن يدفع ضريبة الفشل الحكومي والفساد الاداري من معيشته وقوت عياله.
لست هنا في معرض التصيد على حكومة أخطاؤها لا تنتهي، انما أقولها ناصحا وحريصا على استقرار البلد: «لا تستفزوا المواطن أكثر».. احذروا غضب الحليم ولا تخلقوا لنا أزمة يتحول الشعب كله على اثرها الى معارضة.
لن أخاطب الوزراء لأني أعلم أن الكثيرين منهم «أذن من طين وأذن من عجين»، بل أناشد سمو الشيخ جابر المبارك بصفته رئيس المجلس الأعلى للتخطيط، ورئيس حكومة نأمل أن يأتي يوم نجدها فيه تقف في صف المواطن، أناشد سمو الرئيس بأن يوقف هذا الزاحف الضريبي على مداخيل المواطنين، وألا يسمح بتمرير قرارات بهذه الخطورة.
سمو الرئيس، مخطئ من يعتقد أن المواطنين سيثقون بالتطمينات الحكومية، وأنه «لا مساس بمحدودي الدخل»، لأن المواطن يدرك أن كل آلة تعمل على الديزل ستصب جام انتقامها على جيبه ومقدراته، وستعوض كل فلس زائد عن السعر الحالي بمضاعفة أسعار خدماتها اللا مجانية، ولا أظن أن الحكومة ترغب في رفع تكاليف المشاريع التنموية الموعودة، وكذلك المدن الاسكانية الجديدة، من خلال اتخاذ المقاولين المنفذين ارتفاع سعر الوقود والنقل ذريعة لزيادة قيمة العقود ومضاعفتها.
أما الكيروسين فلا أعتقد أن الحكومة ترغب من خلال رفع سعره الى دفع العوائل التي بدأت في تجهيز مخيماتها، الى جمع الحطب، والاستعداد لموسم الشتاء بأكداس من الرمث والعرفج «اذا وجد» بدلا من دفايات الكيروسين.
سمو الرئيس، الاصلاح اذا كنت تسعى للاصلاح ومعالجة الاختلالات في الميزانية العامة، يبدأ من رأس الهرم، بتخفيض الانفاق الحكومي، وهدر المال العام عبر أسطول الهيئات غير المنتجة، والتي لم ير المواطن منها أي انجاز يذكر.
عليك يا سمو الرئيس أن تكسر حلقة الاحتكار المفروضة على المناقصات وتنفيذ المشاريع من قبل شركات معدودة، وأن تذلل كل العقبات التي تعترض دخول المقاول والمستثمر الأجنبي حتى يمكن ان تنفذ المشاريع وفقا للأسعار ومعايير الجودة العالميين، لترى حينها كم من الأموال ستوفر على الميزانية العامة، وكم من المشاريع ستنجز في زمن قياسي، بعيدا عن التلكؤ والتردد والتراجع الذي تفرضه ظروف الموازنات والمحسوبيات والترضيات السائدة حاليا.
سمو الرئيس ابدأ بهكذا خطوات وواجه التحديات مهما كانت صعبة وستجد الشعب كله خلفك يقول «كلنا حكومة» بدلا من «كلنا معارضة».