أقلامهم

خليل علي حيدر: شيعة الكويت.. لا يريدون الموت لأمريكا!

لماذا يتحدث الشيعة دائما عن التقريب بين المذاهب؟، ولماذا تدعو القيادات الدينية والسياسية في الوسط الشيعي الى تجسير الفجوة بين المذاهب الاسلامية وتقليص الفوارق بين الشيعة والسنة وعدم التركيز على الاختلافات وعلى ما يفرق الصف، بينما لا تبذل هذه القيادات أيَّ جهد في دراسة مستلزمات هذا التقارب في الحياة اليومية، والظواهر التي تهدد التقارب وتعرقله؟ لماذا تنجح إيران دائما في رسم مصالح وتوجهات التشيع السياسي في الغالب حتى التوجه الاجتماعي – الثقافي في بعض الاحيان؟
من المعروف تاريخيا ان شيعة العالم العربي في العراق والاحساء والبحرين ولبنان واليمن هم أصل التشيع ومادته ومنبته، وحتى عندما قرر ملوك ايران في العصر الصفوي عام 1502 تحويل ايران الى دولة شيعية بحتة، اعتمدوا على فقهاء الشيعة في لبنان والاحساء والبحرين لبناء النظام المذهبي الجديد ومؤسساته، وفي تثقيف الكوادر الايرانية ونشر المذهب وتجديده وغير ذلك، فلماذا ضاعت منهم المبادرة والقيادة؟
وحتى عندما أراد مجتهدو الشيعة في ايران خلال القرن التاسع عشر حماية أنفسهم من بطش ملوك العهد القاجاري وتسلط الدولة على شؤون الهيئة الدينية وحرية الحوزة في الوعظ والحركة، تركت القيادات الشيعية ايران الى سامراء والنجف وكربلاء بالعراق، رغم ان هذه المدن العراقية كغيرها، كانت خاضعة للدولة العثمانية، خصم ايران الشيعة لقرون، وبرز دور المرجعية الشيعية في العالم العربي من جديد.
انتهى هذا الوضع مع ثورة 1979 الاسلامية، التي وضعت حدا لحرية مجتهدي الشيعة في ايران والعراق وربما كل مكان، فقد صارت لايران الاسلامية سياسة مذهبية جديدة وتحركات ونشاطات لا تتفق بالضرورة مع مصالح واهداف الشيعة، وبخاصة الاقليات منها، خارج ايران، وهي السياسة التي تروج لها ايران رسميا على الصعيد المذهبي وفي العلاقات الدولية، وبخاصة بين الاقليات الشيعية، على الصعيد الشعبي والقيادات الدينية والبرلمانية إن أمكن! فما مصلحة شيعة الكويت والعراق واليمن مثلا في شعار «الموت لامريكا»؟ ولماذا ينبغي للشيعة أو السنة من اهل الكويت وغيرها أن يتمنوا الموت لامريكا والخراب للولايات المتحدة حكومة وشعبا، وهي القوة التي لولاها لما تحررت الكويت عام 1991، ولاجتاحت عصابات القاعدة وداعش والنصرة وغيرها كل مكان.. اليوم؟
واذا كانت ثمة خلافات وتصفية حسابات ايرانية – امريكية، فلماذا جرُّ اتباع المذهب الشيعي في كل مكان الى هذا الصراع، وفرض وجهة النظر الايرانية عليها؟
سياسات وصدامات ايران قد تجلب الكوارث للايرانيين وللشيعة خارج ايران على حد سواء، لقد ضحى شيعة لبنان مثلا بالكثير في سبيل صعود «حزب الله» وحروبه ضد اسرائيل، وحقق الحزب مكانة عربية متميزة وكسب قلوب الكثير من الفلسطينيين والعرب وبالطبع اللبنانيين، ولكن السياسة والاولويات الايرانية استخدمت الحزب ضد مطالب الشعب السوري بالحرية والعدالة والديموقراطية، فأحرقت ايران بذلك كل ما كان لدى حزب الله من رصيد ومكانة وطنية متميزة.. دون رحمة! ولم تأخذ ايران بالاعتبار مثلا ان الثورة الايرانية نفسها طوال عامي 1988 و1989، كانت كذلك ثورة في سبيل الحرية والديموقراطية وضد نظام الشاه واستخبارات السافاك وقوى الاستبداد، وكانت ايران ولاتزال معادية لأي وجود أمريكي في العراق، مهما كانت حاجة شيعة العراق أو سنتها لوجودهم، بل كانت ايران معادية كل العداء حتى لوجود القوات الامريكية في افغانستان، مهما أوغلت القاعدة وقوى طالبان في قتل تلك البلاد من شيعة وسنة.
ان الابتعاد عن السياسات والاهداف الايرانية لا يعني بالضرورة معاداة «الجمهورية الاسلامية الايرانية»، وستبقى الكويت والعراق ولبنان والبحرين وعموم الشيعة والسنة بحاجة ماسة الى علاقات طيبة وحسن جوار مع دولة وجارة كبرى في حجم ايران، لها مصالحها ولنا مصالحنا، ولا يمكن كذلك قطع الروابط المذهبية البحتة بين شيعة العالم وايران، بعيدا عن السياسة، كما تبقى ايران مهمة جدا على الخريطة الاستراتيجية الكويتية والخليجية والعربية وفي القضية الفلسطينية وغير ذلك، ولكن الاقرار بهذه المصالح والعلاقات شيء، واتباع «المدرسة الايرانية» في التشيع السياسي.. شيء آخر!
لنسأل أنفسنا السؤال الذي بدأنا به المقال، كيف يمكن للشيعة في العالم العربي وفي إيران، النجاح في خطوة التقارب بين المذاهب، اذا كان البيت الشيعي نفسه بحاجة الى ترتيب، واذا كانت السياسة الايرانية المذهبية.. تسير في اتجاه آخر؟