أقلامهم

فهيد البصيري: لماذا تعبث الحكومة بالوحدة الوطنية، مع أن الشعب ساكت (وعلى نياته)؟

لماذا؟ … التي ستقتل الملايين! 
| د. فهيد البصيري | 
مات سيبويه، رحمه الله وبدلا من نطق الشهادتين، ارتد الأمر عليه وقال: «سأموت وفي نفسي شيء من حتى!»… و«حتى» هذه دوخت علماء اللغة منذ أول ظهور لها عندما كانت (حا) إلى اليوم، فهي حرف ولكنها أعتى من الأفعال، ولها في كل كلمة مذهب ومقلب، فمرة ترفعها وتضعها على رأسها، ومرة تنصب عليها وتفتحها، ومرات تكسرها وتجرها من شعرها في الأرض، ورحم الله حتى وأخوتها، فهي أرحم بعباده من لماذا؟.
ولماذا؟ هذه، هي شعار المواطن العربي المذهول مما يراه هذه الأيام، فلم يعد يدري ماذا يحدث حوله، أو فيه، ولا يدري لماذا؟ وحتى المحللون ضحكت عليهم لماذا، وحولتهم من محللين إلى محتالين! حتى باتت لماذا شعار المواطن العربي من الخليج إلي المحيط.
واتركوا الساحة العربية ودعونا وحدنا في الساحة الكويتية، وسترون العجب وتكتشفون أن (لماذا) تعشش في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا اليومية، وابسطها لماذا نتفرج على هذه الزحمة المخيفة، ولا نفكر في حلها؟ ثم تنهال عليك لكمات لماذا من كل (حدب) وصوب، ودونكم الأمثلة، وعليكم السلام.
لماذا تعبث الحكومة بالوحدة الوطنية، مع أن الشعب ساكت (وعلى نياته)؟ ولماذا توقفت عجلة الحياة في الكويت مع أن الحياة على كوكب الأرض لم تتوقف؟ ولماذا صرفت الملايين على خطط التنمية بينما لم يكن هناك نية للتنمية أصلا؟ ثم لماذا الإسراف في الإعانات الدولية العلنية والسرية، وفي المقابل نهدد المواطنين برفع الدعم في الطالعة والنازلة؟ ولماذا تسحب الحكومة الجناسي من المواطنين مع أننا كنا ننادي برفع الظلم عن البدون وتجنيسهم؟ ولماذا نسجن بعض المعارضين على مجرد كلام، ولا نحاسب بعض المجرمين على أفعالهم؟ ولماذا يصل الموظف الحرامي إلى أعلى المراتب الحكومية، ويحرم الموظف الأمين من أبسط حقوقه؟ ولماذا تزدهر تجارة المخدرات، مع أننا نحارب المشروب؟ ولماذا يتفشى التحلل الأخلاقي في المجتمع، مع أننا نملك أكبر تجمع للجمعيات الدينية في العالم؟ ولماذا تكثر الجريمة مع أن هناك قانونين رادعة، ونعرف المجرمين ولكننا لا نستطيع القبض عليهم؟!
ولماذا يكثر المتطرفون مع أن مدارسنا تعلم ابناءنا الإيمان بالحرية؟ ولماذا لا يوجد ممثلين للشعب مع أن هناك مجلسا للأمة؟ ولماذا نطالب الوزراء بالإصلاح مع أنهم جاؤوا بالتي هي أحسن؟ ولماذا نغيرهم كل شهر مع أنهم لم يفعلوا شيئا؟ ولماذا عندما تنهار البورصة يخسر صغار المساهمين ويربح التجار؟ ولماذا نتحدث عن تنويع مصادر الدخل، ونحن نوزع قطاع النفط على الشركات الخاصة؟ ولماذا يتحدث بعضنا عن الكويت كمركز مالي وبعضنا يقول انها على وشك الإفلاس؟ ولماذا نتحدث عن السياحة في الكويت، ونحن لا نطيق البقاء فيها يومي الخميس والجمعة؟ ولماذا ينحدر المستوى التعليمي في الكويت مع أن رواتب الأساتذة تفوق رواتب علماء الفــضاء ومناهجــنــا مســتوردة؟ ولماذا تنحدر الرعاية الصحية، مع أن الصحة تستهلك جل الميزانية؟ ولماذا نرسل المرضى للعلاج في الخارج، ثم نبعث وراءهم الحرامية؟ ولماذا نشتري الأسلحة مع أنه لا يوجد جيش؟ ولماذا تأخرت الكويت عن دول العالم في كل شيء وتفوقت في معدلات الجريمة؟ وهناك سلسلة لا تنتهي من (اللماذات) والتي لو نزلت إلى الشارع لقلبت الدنيا.
ولكن الذي يحيرني أكثر هو لماذا أكتب أنا وغيري من الكتاب في هذه المواضيع مع أننا نعلم علم اليقين أننا نؤذن في خرابة؟!