عربي وعالمي

الطريق إلى الأقصى: زحمة جنود ومصلّين

ازدحمت الطرق المؤدّية إلى البلدة القديمة من القدس المحتلّة، منذ ساعات الفجر الأولى، بسيّارات مئات المقدسيين، الذي اختاروا التوجّه باكراً إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة أمس. كان الطريق شاهداً أيضاً، على أنّ دخول القدس محفوف بالمخاطر، نتيجة الانتشار الكثيف لوحدات شرطة الاحتلال الخاصة، المعروفة بقسوة تعاملها مع الفلسطينيين. وحدث أن استوقفت إحدى دوريات الاحتلال، سيّارة عموميّة، انطلقت بركابها وجلّهم من الشبان، من مكان قريب من منزل عائلة الشهيد محمد أبو خضير. أرغمت الركاب على النزول من السيارة وطلبت منهم بطاقاتهم الشخصيّة، قبل أن توقفهم ووجوههم إلى الحائط، فيما تولى الجنود وكلابهم البوليسيّة تفتيش السيارة والركّاب، واحداً تلو الآخر، وسط إهانات وسخط وشتائم جنود الاحتلال. وبعد اطلاعهم على رخصة قيادة سائق السيّارة، أمروه بالانطلاق على وجه السرعة.
استغرقت الطريق من شعفاط إلى باب العمود، وفق ما يقوله سائق السيّارة أحمد عودة، 52 دقيقة في حين أنّها لا تحتاج أكثر من عشر دقائق، موضحاً “أننا مررنا عبر ثلاثة حواجز، حتى وصلنا أخيراً إلى منطقة المصرارة، قرب باب العمود، حيث منعنا من الدخول إلى البلدة القديمة”. وفيما انتظر كثيرون في الساحة العامة، تحت البرد والمطر، يوضح عودة “أنّهم لم يسمحوا لنا بالدخول، لأن أعمارنا جميعاً أقلّ من 50 عاماً، فأصغرنا يبلغ 29 عاماً وأكبرنا 47 عاماً”.
وكانت سلطات الاحتلال سمحت صباح أمس، لمن هم فوق الخمسين عاماً بالدخول إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة، بعد تراجعها عن قرار سابق بإقفال المسجد حتى إشعار آخر، على خلفية محاولة اغتيال الحاخام اليهودي يهودا غليك، مساء الأربعاء الماضي.
انضمّ أحمد، سائق السيّارة، أمس الجمعة، إلى آلاف الشبان من مدن وبلدات الداخل الفلسطيني، الذين ازدحمت بهم شوارع وساحات القدس وتسمّروا أمام أبواب بلدتها العتيقة في المصرارة والساهرة وباب الأسباط، حيث أدّوا صلاة الجمعة، بعد منعهم من أدائها داخل المسجد. وهم اشتاقوا منذ شهور طويلة للصلاة في المسجد، كما يقول المواطن محمد محاجنة، من مدينة أم الفحم، أثناء انتظاره قرب باب الأسباط برفقة ولديه.
ولم يكن الوصول إلى البلدة القديمة أيسر من الاصطفاف في طوابير على أبوابها، إذ تطلّب ذلك اجتياز خمسة حواجز تفتيش، لبلوغ أبواب الأقصى، عبر طرق وعرة، اكتظت بمئات الجنود ومئات المصلين الذين افترشوا شوارع البلدة القديمة، في شارع الواد، وفي طريق المجاهدين قرب باب الغوانمة، وصولاً إلى أقرب نقطة من المسجد. أمّا من تجاوزوا الخمسين عاماً، فقد نجوا من قيود الاحتلال وإجراءاته المشدّدة، التي كانت ساحات المسجد الأقصى شاهدة عليها، بعد أن وصلها بالكاد من كانوا يعمرونها بالعبادة والصلاة.
ويوضح الشيخ عكرمة صبري، الذي كان يقف على مدخل المسجد القبلي لـ “العربي الجديد”، أنّ “المسجد الاقصى خالٍ، وأعداد المصلين لا تتجاوز الأربعة آلاف، لم يحدث هذا من قبل”، قبل أن يضيف: “أعداد جنود الاحتلال تفوق أعداد المصلين، حسبنا الله ونعم الوكيل”.
وقرب مسجد الصخرة المشرفة، كانت بضع مئات من النساء يتجهن إلى داخله، واختارت كثيرات أن يتوشّحن بالأخضر والأسود، سيّدات خمسينيات ومسنّات قدمن من أنحاء فلسطين. لم تتمكّن أم أيمن، وهي مرابطة مقدسيّة، من إخفاء دموعها، وهي تشير إلى الساحات الفارغة من الشباب، بعد أن دأبت على مشاركتهم هتافات التكبير من ساحاته بعد كل صلاة.
حتّى خطيب المسجد الأقصى، الشيخ محمد سليم، بدا صوته متهدّجاً وهو يدعو العرب والمسلمين لإنقاذ المسجد الأقصى، الذي “داهمه الخطر وباتت سيطرة اليهود عليه أقرب من أي وقت مضى”. وكان الشيخ سليم منع أمس، للمرّة الأولى في حياته، من دخول الأقصى، على الرغم من تجاوزه عتبة الستين من عمره. وعلى نداءاته، كان المصلّون بأعدادهم القليلة، يدعون الله أن يحمي الأقصى.
واختلف المشهد خارج الأقصى عن داخله، حيث كان للمحرومين من الصلاة فعل آخر من التكبير والاشتباك مع جنود الاحتلال، وعادت المدينة إلى سيرة ما عاشته ليل الخميس ــ الجمعة وحتى مطلع الفجر من صدام ومواجهات، بعد أن كسر المئات من شبابها قيود الاحتلال التي حاولت حرمانهم من المشاركة في وداع الشهيد معتز حجازي، فخرجوا من بين القبور هاتفين له.
وتحوّل حرمان مئات الشبان من الصلاة في الأقصى، ظهر أمس، إلى غضب عارم اجتاح شوارع بلدتها القديمة، وانطلقت الشرارة إلى واد الجوز والصوانة وسلوان والطور والثوري ومخيمي شعفاط وقلنديا، في وقت صمّت فيه أصوات الرصاص المطاطي وقنابل الصوت الآذان، تزامناً مع ارتفاع أصوات المفرقعات الناريّة، التي باتت سلاح المنتفضين المقدسيين المفضّل.