كتاب سبر

كيف يصنع النائب.. مقاربة في آليات الملف الانتخابي؟

الملف الانتخابي أحد الملفات الساخنة منذ إقرار الدستور عام 1962 وحتى هذه اللحظات التي أكتب فيها هذا المقال ، لم يفقد هذا الملف سخونته بل تزداد تلك السخونة مع الوقت ومع كثرة عدد اللاعبين ، ويطرح سؤال بين الحين والآخر خلال زياراتي للدواوين عما استجد على صعيد هذا الملف حتى وصلت الأمور إلى ما يشبه الفوضى العارمة هذه الأيام ، وقد رأيت أن أجيب عن مثل ذلك السؤال في مقال ربما يكون فرصة لفهمه والحوار حوله.

العميلة الانتخابية “محكومة” حتى في تفاصيلها الصغيرة لكن الفرق أن الفترة الماضية التي انتهت بوفاة سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد وسمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله رحمهما الله لها طبيعتها الخاصة بها ، أما في المرحلة التالية فقد تغيرت الآليات بشكل جذري ، ومن باب الطرفة التي يمكن أن تكشف عن جانب من تلك المرحلة طلب أحد المرشحين من السفير السابق والسياسي المخضرم عبدالمحسن الدويسان رحمه الله استشارته في الترشح في دائرة الخالدية فأجابه: قبل استشارتي عليك استشارة جهاز أمن الدولة.

تلك طرفة لكنها تعبر تعبيرا صادقا على الأقل في تلك الفترة عن قدرة ذلك الجهاز في الحشد خلف مرشح وإسقاط مرشح آخر ، والأمر فعليا ليس محصورا في عمل ذلك الجهاز بل هناك ” ترتيبات ” أخرى يجري تداولها بين الراغبين في الترشح أو أولئك الذين ينصحون بالترشح مع أطراف في السلطة ، فهناك من يسهل له الأمر في أن يكون ” خطيب ” مسجد في دائرته الانتخابية والأمثلة كثيرة لو تمعنا فيما حولنا، وهناك من يمنح منصبا في الإدارات التالية ( هجرة ، فحص فني ، بلدية ) وذلك مدخل آخر للحصول على مقعد برلماني ، فيما المال هو المدخل الثالث.

من يتحدث عن ” كاريزما ” تؤثر على الجماهير فهو يقع في دائرة ” الوهم ” خاصة مع وجود هذا القطاع العام الضخم، وفي اعتقادي لو قام قس الأيادي من قبره وشارك في الانتخابات البرلمانية المحلية لن يحصل على ما يكفيه من الأصوات ليكون ضمن دائرة التنافس، فما بالك بالحصول على مقعد؟.. إذن العملية ليست متروكة في أي من تفاصيلها للصدفة مطلقا ، وكل ما يجري في داخلها يجري ترتيبه وإذا كان هناك من أخطاء وهفوات فهي تصب في صالح الآخرين من أصحاب المشاربع وليس للمواطن أي علاقة بها.

عندما يعين شخص مراقباً عاماً في بلدية الجهراء مثلا وينقل ذلك الشخص الآلاف من أبناء قبيلته إلى مكتبه ويمنحهم إجازة مفتوحة بعضهم يذهب للدراسة في الخارج والبعض يتفرغ لعمله التجاري طوال سنوات ثم يترشح ذلك الشخص للانتخابات .. هل يمكن أن ينسى أبناء العمومة ما فعله لهم؟.. طبعا لا، وعندما يعين آخر في إدارة مرور الجهراء أو في الفروانية أو مدير محافظة في وزارة الأشغال أو غيرها من الإدارات خاصة في الدائرتين الرابعة والخامسة، ماذا تكون الحصيلة في العملية الانتخابية؟.

في فترة الشيخ سعد رحمه الله كان الملف الانتخابي عند شخص واحد يديره بمعرفته ولا يسمح لشيخ أو تاجر بأن يكون طرفا في ذلك الملف ، لكن هناك بعض الاستثناءات يجري ترتيبها دون التفاهم مع شخوصها بهدف إسباغ مسحة على التجربة الديمقراطية حتى يمكن ابتلاعها بكل سهولة، وحتى تعطي مظهرا خادعا للآخرين من أن صراعا بين طرفين نشب أحدهما السلطة ، وتمكن الطرف الملتف حوله شعبيا من تحقيق انتصار ولو كان جزئيا.

الآن الملف في يد أكثر من شخص من الأسرة الحاكمة حتى كاد مجلس الأمة خلال السنوات الخمس الماضية أن يكون بالتعيين فعليا، ولا بأس ببعض الاستثناءات للتجار، فقد أصبحت لديهم صناديق يضعون على جداولها من يريدون ، ولعل هذا هو سبب الفوضى التي نلمسها بين الحين والآخر مع بقاء الطرق التقليدية ( المسجد ، فحص فني ، بلدية ، هجرة .. وغيرها من أجهزة الدولة الخدمية ) ، وقد نتج عن هذا الوضع ألعاب ” بهلوانية ” خاصة لأولئك المرشحين ممن لا يملكون منصبا في أجهزة الدولة وليس لديهم وقت للخطابة في المساجد ، فقد يسوق أستاذ جامعي أمام الجماهير من خلال ” فبركة ” مواجهة ما ، ويمكن أن يقبض على آخر ويحبس حتى ” ترتب ” أموره وثالث يسوق على أنه ولد من بطن أمه معارضا رغم تاريخه الملئ بالفجوات ومع ذلك الجماهير لا تجد مشكلة في ” التصفيق ” مع أنها لاتعرف لمن ، هل للعرائس التي على المسرح أم لأولئك الذين يحركون الخيط من خلف الكواليس أم للأثنين معا؟.