أقلامهم

دويع العجمي: درس بالرحمة من خادمتنا الكافرة

-البداية:
“وبالرحمة والرفق يصبح المرء إنسانا”.
 
-متن:
تُفيق قبل شروق الشمس بقليل محرومة من لذة النوم الذي لم تعانقه إلا بعد منتصف الليل، وكل هذا لتُنجز قائمة الأعمال الطويلة المكتوبة على تلك الورقة المعلقة على الثلاجة.. يبدأ يومها بعمل وينتهي بعمل، وكل أيامها متشابهة فلا إجازة ولا ترفيه، ولا حتى رحمة ورأفة بالمعاملة..
تتأخر بترتيب الشيء فتسمع منّا لهيب الكلام وويلات التوبيخ.. تتحمل ولا ترد وتكتفي بدموعها التي تعانق وسادتها كل مساء، يقابل ذلك راتب لا يساوي فاتورة مطعم يدفعها أحدنا، ولا يسأل عن الثمن.. لا بأس فهذا صميم عملها فهي “خادمة”.
– في بيتنا “عبيد”
ممنوع التأخير حتى لو كان لأخذ قسطٍ من الراحة، فهي جاءت من بلدها تاركةً أطفالها لتعمل كالإنسان الآلي دون تعب أو إرهاق، وكيف ذلك وأنا العائد من مكتبي البارد صيفًا والدافئ شتاءً مرهقًا من تعب ارتشاف القهوة، وإحالة كل أعمالي للسكرتير، والجلوس لساعات ضائعة بين التجول بهاتفي، ونقاشات مملة مع زملائي لقتل الوقت، ثم العودة بسيارتي الفارهة لأسكب جام غضبي على تلك البائسة التي تعمل على مدار اليوم طيلة أربع سنوات دون مراعاة لآدميتها، ومعرفة نقطة مهمة أنها بشرٌ مثلنا تتعب وتبكي، وتحتاج للمعاملة الطيبة رحمةً للغربة التي تعيشها بيننا..
-حدث معي
وجدتها تجلس في المطبخ وتُطيل النظر بلعبة صغيرة لها صوت طفولي.. نظراتها الشاحبة وبكاؤها لم أفهمه.. رأتني فكفكفت دموعها محاولة إخفاءها، وعندما سألتها قالت إنها تركت طفلتها وعمرها سنة، والآن هي في الخامسة من عمرها ولم ترها.. ثم مضت لتغسل الصحون لعل انشغالها يقتل نار الشوق لرؤية أطفالها..
كم هي مؤلمة مشاعر الحنين.. فما بالنا إذا اقترنت بغربة وبؤس وتعب ومعاملة سيئة؟
هم بشر.. وليسوا عبيدا..
يحتاجون منا للرأفة.. يُفرحهم ثوب رخيص نشتريه لهم.. يُسعدهم أن نحسب حسابهم بالأكل الجاهز الذي نطلبه، وليس انتظار ما تبقى وكأنهم لا يشعرون..
في إحدى المرات وفي طريقي للعمل وجدتهم يُجلسون الخادمة محشورة مع الأغراض في آخر السيارة.. أي إنسانية هذه وأي دين يقبل هذا التصرف؟!
ونحن لسنا بأفضل منهم، فالظلم درجات.. فقط لأنها أحرقت قميصي أسمعتها ما لا تحب، ووبختها بكلمات أقسى من اللكمات، ولم آبه بتوسلاتها ومبرراتها بأن “المكواة” جديدة ولا تعرف استخدامها.. لا يهم فالأهم أن نجرحها ونحلل عبوديتها، وبئس التصرف والقرار.
لا أعلم لماذا لا نعاملهم كما نعامل بعضنا.. ولا أعرف سبب تباهينا بتوبيخهم واللذة في ذلك.. كنا نستطيع توجيههم بالرفق واللين فهم يعيشون بيننا وأحد أفراد أسرتنا.. لِلحظة تخيلت لو نحن من سافر لبلدانهم ونعمل لديهم سنوات متواصلة دون إجازة ولا راحة، وتحت المعاملة السيئة والعنف اللفظي محرومين من رؤية أهلنا، معانقين الغربة والحنين وسط لغة مختلفة، ومجتمع غريب ونظرة دونية.. هنا فقط ستشعر بمعاناتهم..
سافرت خادمتنا بعد أن تركت في غرفة كلٍ منّا هديته لشيءٍ يحبه، ولأنني أحب الكتابة تركت لي دفترًا وقلما.. وفي غرفة أخي عطره الذي يحب.. درس قاس بالإنسانية من تلك التي جرّدناها من آدميتها.. فشكرًا لظلمنا وغرورنا.
 
-فاصلة،
عظيم جدًا
أن تنتمي لإنسانيتك..
تخاطب الآخرين بها دون مراعاة لمناصبهم ولون بشرتهم وجيناتهم الوراثية.
ستكون أعظم شيء في الحياة..
جرّب مرّة:
أن يمر يوم دون أن تغتاب.. تذم.. تحقد.. تُسيء لأحد.
على الوسادة.. ستنام بسرعة.
دون ساعات الأرق والقلق.
جرّب فقط
 
إضاءة:
علمتني الحياة أن الإنسانية ممارسة وأفعال وليس كل بشر “إنسانا”.
 
آخر السطر:
أول دروب الإنسانية يافهيد تكف لسانك عن الناس.. أكرمهم بتجاهلك.