كتاب سبر

كيف يُخدع المشاهير؟ 5 استراتيجيات

تكاد أيامنا لا تخلو من الأحداث السريعة، محلية وإقليمية، سياسية واقتصادية وأيدولوجية، في وقت الثابت الوحيد فيه هو التغيُّر السريع. وجزء من هذا التغيُّر هو انكشاف بعض المشاهير لدى العامة. فلا يخلو حدث من الأحداث إلا ونجد فيه شخصية عامة تصدم الجمهور برأيها المنحاز لطرف من الأطراف، دون مراعاة خسارتها الشخصية من هذا الانحياز.
وقبل أن نبدأ في شرح استراتيجيات كسب المشاهير، علينا أن نشير لنقاط مهمة حتى نجيب أي استفهام قد يطرأ.
هل الانحياز لرأي أو لقضية خطاً أو عيب؟
أبداً، فمادام لديك اهتمام في قضية معينة فأنت صاحب رأي فيها بالضرورة، أي أن الحياد في القضايا التي تهمنا وهم لا وجود له.
إذا ما الخطأ؟
الخطأ هو أن تعبر خصية عامة عن رأيها في قضية خارج مجال شهرته وتخصصه خصوصاً إذا ما كان هذا الرأي يصب لصالح طرف ضد آخر.
كيف يؤثر ذلك على المشهور؟
الجماهير بعاطفتها لا تفرق بين رأيك وشخصك، وحبها لك مرتبط بالصورة التي رسموها عنك في ذهنها لا شخصيتك الحقيقية، فرأيك الذي يرتبط بالواقع يقوم بتغير صورتك الذهنية لدنا الجماهير.
هل تعتقد أن المشاهير يعلنون آرائهم بشكل تلقائي، عفوي؟ أبداً ليس كذلك.
تلجأ مؤسسات المجتمع المدني وحكومات أغلب الدول في كسب ود قادة الرأي والمشاهير، ومن ضمنهم الفنانون والإعلاميون إضافة للمثقفين والمتخصصين. وحتى نؤسس قاعدة لهذا التصرف، فهذه الاستراتيجية مهمة ومشروعة لأي كيان مؤسسي يسعى لبناء منافذ إعلامية يتصل من خلالها بجمهوره المستهدف.
في الإعلام يطلق مصطلح قادة الرأي أو حراس البوابة على الأشخاص الذين يشكلون حلقة الوصل بين مصدر المعلومة والمتلقي، وفي السابق غالباً ما كانت تنطبق على رؤساء التحرير وملاك وسائل الإعلام.
أما في أيامنا هذه، تغيرت دائرة تناقل الرسالة الإعلامية، فمصدر الرسالة لم يعد واحد كما كان في السابق (صحيفة أو إذاعة أو تلفزيون)، فأي شخص اليوم يمتلك منفذ على الإنترنت يمكنه أن يصبح مصدر معلومة، وبقدر أتباعه أو متابعيه – الأتباع تطلق على من يتابع قادة رأي من مثقفين ومتخصصين، والمتابعين تطلق متابعين المشاهير-، فبقدر عدد أتباعك أو متابعيك ودرجة الثقة التي يحملونها تجاهك تتحدد قيمتك الإعلامية. وقد تكون تابع ومتبوع في نفس الوقت.
هنالك 4 استراتيجيات تتبعها المؤسسات أو الدول لاستقطاب المشاهير وقادة الرأي لصفهم، وسنتناول فيما بعد التأثير السلبي لهذه الاستراتيجيات:
الاستراتيجية الأولى:
المقابل المالي: وهي أسهل وأبسط وأقدم استراتيجية عرفها السوق، حيث تشتري المؤسسات أو الحكومات موقف المشاهير بمقابل مالي، أي أن الأمر لا يرتبط بقناعة.
إيجابيات:
سريع.
مضمون للطرفين.
حدة الموقف بحسب القيمة المقابلة.
القدرة على حشد عدد كبير.
سلبياته:
يؤثر في مصداقية الطرفين.
القوة لمن يدفع أكثر.
سهولة تقلب مواقف المشهور بحسب الجهة الممولة.
الاستراتيجية الثانية:
التهديد والترغيب:
أو كما يقال سيف ومنسف، هنا قد لا يكون المشهور يقبل الشراء المباشر لموقفة، لكنه قد يتعرض لضغوط تهدد مصدر رزقة أو حياته، مقابل أن تفتح له المجالات وتسهل له معاملات. على سبيل المثال، لو كان عندنا مطرب مشهور ونريد موقفه عبر هذه الاستراتيجية سيكون ملخص المفاوضات هي الجملة التالية: إذا لم تقف معنا وتصرح بذلك سنمنع ظهورك من جميع الإذاعات والتلفزيونات والحفلات، وإذا وقفت معنا سنسخر لك كل إمكانياتنا لتستمر في إنتاجك الفني.
إجاباتها:
هناك منتج يستفيد منه السوق (أغاني- كتب إلخ) مقابل الموقف.
الدعم غير واضح للعوام من الجمهور.
السيطرة على مجاميع (لفنانين، مثقفين وأكاديميين، صحفيين إلخ). فتكون كل مجاميع الرأي في المجتمع تحت سيطرتك.
السيطرة على محتوى المنتج الذي يقدمه الشخص، فالذي يتبنى ودهة نظر طرف، من غير المعقول أن منتجاته تقف ضده.
سلبياتها:
الحرية قرينة الإبداع، فالرغم من غزارة الإنتاج إلا أنها أحياناً تفتقد للإبداع بسبب الرقابة.
فقدان الولاء: في التهديد، علاقتي بك ترتبط بالخوف لا الاحترام، وفي الترغيب علاقتي بك مرتبطة بالمصلحة لا الحب أو القناعة.
المنافسة: قد يقدم غيرك نفس العرض أو أفضل.
الاستراتيجية الثالثة:
التربية والترويض:
وفيها يتم تقريب المشهور من المؤسسة بشكل مستمر ودائم، ويتم مناقشته وعرض آراء المؤسسة بشكل مباشر وغير مباشر، حتى يصبح عقله جزء لا يتجزأ من عقل المؤسسة، في الغالب تبنى قناعاته بشكل تراكمي حتى يظن أنه فعلاً يتبنى هذا الرأي دون التأثر برأي المؤسسة. وفي العادة تبداً المؤسسات أو الحكومات باستقطاب المشاهير الأقرب لها أيدولوجياً، فتوفر وقت وجهد.
على سبيل المثال: الكاتب أحمد لا يحب المؤسسة (ع)، والمؤسسة (ص) على خلاف مع المؤسسة (ع). لكن أحمد محافظ على حياده ولم يعبر أو يظهر رأيه بالمؤسسة (ع). فتقوم المؤسسة (ص) بتقريب أحمد حتى تفقده حياده وتكسب به جولة.
الإيجابيات:
يبدو المشهور حراً في رأيه دون مال (مباشر) أو تهديد أو ترغيب.
المصداقية عالية.
أكثر أمان وثقة للمؤسسة.
سلبياته:
يخسر المشهور جزء من جمهوره فور إعلان رأيه.
تأثيره يكون في المراحل الأولى، فعامل الصدمة يساعد في زيادة التأثير.
قد يصبح المشهور عبء على المؤسسة مع الوقت لأن تأثيره يقل وهي ملتزمة بدعمة.
أي تصرف سلبي شخصي للمشهور قد يؤثر سمعة المؤسسة.
مثال: بعد أن أعلن الكاتب المشهور أحمد عن رأيه الناقد للمؤسسة (ع) وكسبت به المؤسسة (ص) جولة إعلامية ضد المؤسسة (ع)، انتشرت فضيحة سرقة أدبية للكاتب أحمد لمقال لكاتب آخر وأثرت على سمعته إعلامياً. ستستغل المؤسسة (ع) هذا الحدث وتشير إلى أن الكاتب أحمد الذي انتقدها لصالح المؤسسة (ص) ما هو إلا سارق مقالات فاقد للمصداقية.
الاستراتيجية الرابعة:
الباب المفتوح:
هنا تقوم المؤسسة بفتح المجال للوصول للمعلومات بشكل حر للجميع، كذلك تحرص على التواصل مع الإعلام والمشاهير والمثقفين بشكل مستمر في جلسات علنية ومغلقة، تهدف فيها لشرح سياساتها ووجهة نظرها في أي قضية. في المقابل تلتزم المؤسسة بالأخذ بآراء المشاهير والمثقفين وربما تعديل جزء من سياساتها لإرضائهم. في هذه الاستراتيجية ترتكز سياسة المؤسسة على المواجهة، فتداول المعلومات مصدر قوة.
الإيجابيات:
تتشكل مجموعة من الموالين غير مخطط لها.
تخلق المؤسسة جو عام من عدد غير محدود من الناس لصالحها بدلاً من اعتمادها على مجموعة محددة لإثارة الرأي العام.
أقل تكلفة مادياً.
مصداقية عالية.
تأثيرها مستمر لمدة أطول.
سلبياتها:
عدم القدرة على تحديد هدف الموالين.
عدم القدرة على التحكم بدرجة الموالاة.
ولعل أبرز حدث قريب، هي الأزمة بين دولة الإمارات ودولة قطر تحديداً، فمما بدا أن الإمارات اعتمدت بشكل كبير في سياستها الإعلامية على نشاط وتأثير المؤيدين لها من الإمارات، بينما اعتمدت قطر على نشاط ودعم أطراف متعددة أيدولوجياً وجغرافياً، فانطلقت الدولة الأكبر حجماً من قاعدة صغيرة نسبياً لكنها حادة ونشطة في آرائها، بينما انطلقت الدولة الأصغر من قاعدة كبيرة نسبياً لكنها أقل حدة. ولا شك أن ما حدث هي نتيجة ظاهرة لاستثمار بدأ منذ وقت طويل في مجالات الإعلام والثقافة والفن ليحصد كل طرف نتائجه في الوقت المطلوب.
قبل الختام، مهم أن نستعرض نظرية مهمة في التأثير، يعتقد أغلب الناس أنهم أقل تأثراً بالإعلام أو الرأي السائد من غيرهم، وسمى نظرية الشخص الثالث third person Effect ، وتثبت الدراسات أننا جميعاً على درجة متقاربة من التأثير بحسب المواضيع التي تهمنا.
لذلك، إذا كنت من المشاهير أو العامة، وتعتقد أنك لا تتأثر بالرأي العام وما تطرحه وسائل الإعلام مثل غيرك من الناس، فأنت مخطئ.
ناصر المجيبل
@NAlmujaibel
يناير 2015