كتاب سبر

الكويت في ذكرى جلوس.. “أبو الدستور”

الاتفاقية التي أقر بموجبها استقلال الكويت عن المملكة المتحدة كانت في 19 يونيو 1961 بينما الشعب والدولة يحتفلان في الخامس والعشرين من فبراير 1950 بذكرى الاستقلال, لماذا؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  في  الحديث الشريف” خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ , وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُم … ” إلى آخر الحديث.
المغفور له بإذن الله الشيخ عبدالله السالم الصباح الذي اعتمدت الدولة تاريخ يوم جلوسه لكرسي الحكم لاحتفالاتها بالاستقلال الكويت كان ممن أحب الشعب الكويتي وبادلوه حباً بحب.
أحبه الشعب لأكثر من سبب, لصفاته الشخصية وخلقه ودينه وأسلوب حياته الشعبي القريب من حياة أي مواطن عادي.
وكذلك لما رافق فترة حكمه من أحداث جوهرية حولت الكويت إلى دولة مؤسسات وعلى رأسها بعد الاستقلال, إعلان الدستور الكويتي في 1962 وبدء دولة المؤسسات كتحد جرئ وقف الشعب كله معه لينجح به.
يُذكر أن الشيخ عبدالله السالم الصباح عندما استلم زمام الحكم تنازل عن كل ما يملك للمالية لمصلحة الشعب الكويتي, تصرف نادر من حاكم نادر.
لذلك نحتفل باستقلال الكويت في يوم جلوسه على كرسي الحكم عرفاناً, فلولا وجود حاكم محب للشعب يريد له الحياة بأمن وأمان واستقرار وعدالة ضمن نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي يحفظ حقوق الجميع, لما خرجت وثيقة تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم, وبين الشعب بعضه بعضاً, وبين الدولة والعالم الخارجي اسمها الدستور.
لو سألت أي طفل في الكويت لن يذكر تاريخ الاستقلال ( 19 يونيو ) ولكن لا أحد ينسى يوم 25 فبراير على أنه يوم الاستقلال, يربط الشعب حرية الوطن بالحاكم عندما يشعر أن الحاكم هو هذا الوطن بالنسبة إليه.
لم يكن اكتشاف النفط في منتصف القرن العشرين, السبب الرئيس لاجتماع أهل الكويت على حب أرضها والالتفاف حول حكامها الذين اختارهم ولم يُفرضوا عليهم, الأموال والأوضاع الإقتصادية دائماً كانت الأخيرة على قائمة أسباب الولاء عند الكويتيين, والتاريخ يسجل وأقرب شاهد الغزو العراقي, حيث جدد الكويتيين البيعة لآل الصباح في مؤتمر جدة بأصواتهم, وفعل المرابطين الصامدين بدمائهم وأدمعهم.
التوافق بين أبناء الكويت وأسرة الحكم على إدارة البلاد عبر الشورى المتمثلة في المؤسسة البرلمانية كان من أهم مكتسبات واستقرار الوطن وتميز العلاقة مع النظام الحاكم, وهذه الشراكة في الحكم التي أصّلها عبدالله السالم تبعها من جاؤوا بعده لسدة الحكم, ما تزال هي صمام أمان الكويت.
أثناء المناوشات بين الصحافة الكويتية والعراقية تزامناً مع تهديد عبدالكريم قاسم بضم الكويت للبصرة سلماً أو حرباً, أوسعت الصحافة العراقية عبدالله السالم شتماً, فذب عنه الراحل محمد مساعد الصالح الذي كان آنذاك رئيساً لتحرير مجلة الهدف, بأن قال أن قاسم مجنون, ومن هو الصالح ؟ هو أيضاً صحافي وكاتب محسوب على التيار الليبرالي المعارض في الكويت وامتلك مع أخرين صحيفة الوطن وباعها إلى مستثمرين جدد بعد التحرير.
عندما مرض المرحوم عبدالله السالم كان يطببه لمدة شهر المعارض الأشهر الدكتور محمد الخطيب, والفلسطيني الدكتور ناظم الغبرا, معارضته لم تمنعه من العلاقة الطيبة الشخصية والإنسانية مع الحاكم, والأخير كان يثق في هذا المعارض لدرجة أنه أسلمه شؤونه الصحية وهو على فراش الموت, كانت الثقة والرجولة جزء من المجتمع, لا تدنسها سياسة, ولا يدوسها اقتصاد.
أما الغبرا الفلسطيني فقد كان ” وافدا ” هاجر إلى الكويت في أول الخمسينات مثل كثيرين جاؤوا إلى الأرض الطيبة, ليعيشوا ويربوا أبناءهم في دار الأمن والأمان والعدل, ولم ينظر له أحد بدونية أو يكون حديث المواطنة على الطاولة عندما كان يعالج أمير البلاد في مرض موته.
رئيس تحرير معارض يدافع عن أمير الكويت, قائد المعارضة يثق فيه أمير الكويت كطبيب مع وافد غير كويتي.
تلك كانت الكويت, حقل الخير الذي يمرض ولكن لا يموت, قد يصيبه الجدب والقحط, أو يتأثر ناسه بالصحراء القاحلة ويصيب الجفاف علاقاتهم مع بعضهم بعضاً, ولكن ما نحن على يقين به, أن الكويت ستحتفل باستقلالها أعمار مديدة وهي في الصف الأول مع قادة الأمة الإسلامية, وفي الريادة تدعم نهضة شعبها وشعوب العالم, تتمسك بدعمها للإنسان في كل مكان وبلا توقع لأثمان.
من يعرف وطني الكويت يدري أن ما سبق في العلاقة بين أمرائها وشعبها ليس إلا قبس من حقيقتها, ومن يجهلها فقد تكون هذه المقالة بداية تعارف, ولا أظن أن هناك من يجهل من هي دولة الكويت.
@kholoudalkhames