آراؤهم

روح التاريخ

إشعار: كتبت أول حرف في هذه المقالة، و أنا لا أعلم من أين سأبدا؛ لذلك لا أعتقد أنه سيكون هناك مقدمة يتوقعها القارئ، خصوصا و أن العنوان “روح التاريخ”، و كلها كلمات لا تحتاج لأي تعريف لدى المتلقي إذا ما أُخِذَتْ على حدة لكن هناك ما دفعني لكتابة هذا المقال، و بالتحديد هذا العنوان المألوف نسبياً.
الكثير منا سمع او قرأ عن مصطلح “روح القانون” ، و الذي يقتضي على القاضي أحيانا مراعاة دوافع الجريمة، و مراعاة أشياء اخرى في القضيّة تجعله يحكم بـ”الروح” بدلا من تطبيق “القانون” بحذافيره و الذي قد يكون قاسيا -قياسا بالظروف و الدوافع المتعلقة بالجريمة- كما أسلف ذكره، من هذا المنطلق، وجدت إسم “روح التاريخ” مناسبا لما سيُكتب هنا من أفكار تعبر عن كاتبها في المقام الأول.
 مدخل: يقول الشاعر ” اذا كنت في نعمةٍ فـ أدرها ** فإن المعاصي تزيل النعم”
لعلّ محتوى هذا المقال، أحد الذنوب التي تفضّل بها علينا هذا الجيل الذكي و السريع و الذي يمكن أن نسميه جيل “زاد الما على الطحين” ، فسابقا “كان العلم عند أهله” بشكل عام، و على وجه التحديد: لم يكن يعرف التاريخ سوى أشخاص مختصين، و لم نكن نعرف منه الا رؤوس أقلام لرموز تاريخية، قد تصل الى مرحلة القداسة الفكرية، و القدوة لجمالها، بل أنها اصبحت مضرب أمثال حتى غزانا جيل الآيفون – و لا يهون الجلكسي – و تم تهكير هذه الرموز و العبث في تاريخها، علما بأن “التشهيير” ليس الا الحقيقة لا فائدة من قولها، كما هو الحال مع المعلومات التاريخية و الحقائق التي يعتبر الافصاح عنها للعامة نوع من التشويه بقصد أو بغير قصد.
الحاصل: إني قبل فترة قرأت موضوع، من عنوانه يعتبر “فضيحة تاريخية” حيث كان يتكلم عن خيانات عنترة لعبلة!!
لمجرد قراءة هذا العنوان الذي لا أعرف صحّته من عدمها كوني لست تاريخيا لأحكم هذا الحكم، و الذي إنتشر كالنار في الهشيم بـ بركات الأجهزة الذكية، مرّ علي شريط الذكريات “العنترية” و كأني أحتضر “تاريخيا”، و تذكرت: يا دار عبلة بالجواء تكلمي، و هلّا سألت الخيل يا ابنة مالكٍ، و عذابك يا ابنة السادات سهلٌ، لكن كل هذه الكلمات الراسخة في ذهني، مرّت علي كومضات سريعة، مع بعض التساؤلات التعجبية، لماذا لم تذكر خيانات عنترة في كتب الأدب التي درسناها يا معشر “العامة”؟! هل تم خداعنا أدبيا؟! و هل عنترة الوفيّ، و الذي تمنى مقابلته رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة و السلام،  مجرد أسطورة واهية و كذبة أدبية؟! و الكثير من خيبات الأمل و التحسّب على صاحب المقال “الفضيحة” الذي جعلني في هذه الحالة، حتى أسعفتني الذاكرة بالوصول إلى لحظة كانت مني “طيّ النسيان” لـ محاضرة في مادة إختيارية كنت معتبرها “تحصيل حاصل” لدكتور من اخواننا أهل مصر -أهل العلم و التاريخ الصحيح- و لا أخفيكم أنني لم أكن أكره هذا الدكتور، و لكن لم أكن أحبه قبل هذه اللحظة، و قبل أن أتذكّر شرحه لأحد قصائد عنترة التي يخاطب فيها عبلته مخاطبة مباشرة فيها نوع من العتب، و الافتخار بالنفس، بعد أن: (تضاحكت) أي ضحكت بـ نوع من السخرية على شكله و جسمه الذي إلتصق به “صدأ الحديد” من كثرة لبسه للدروع، طبعا القصيدة طويلة و جميلة و لكن ما يهمني الآن و بالتحديد: كلام الدكتور -الله يذكره بالخير- و إسهابه في شرح وفاء عنترة في هذين البيتين:
   
فَلَرُبَّ أَملَحَ مِنكِ دَلّاً فَاِعلَمي ** وَأَقَرَّ في الدُنيا لِعَينِ المُجتَلي
وَصَلَت حِبالي بِالَّذي أَنا أَهلُهُ ** مِن وُدِّها وَأَنا (رَخِيَّ المِطوَلِ)
أي ربما يكون هناك من هي أجمل من عبلة، و أقرّ لعينه منها، قد (وصلت حبالي) أي طلبت ودّه و تقرّبت اليه بالذي (انا أهله) أي لشجاعته و فروسيته و لم تأبه لـ سوء مظهره كما فعلت عبلة، ثم قال: (و أنا رخيّ المُطْوَلِ) و يقصد أنه حرّ كـ الدابة التي يُرخى لها الحبل الطويل لترعى حيث شاءت، و لكن ما معنى أن يذكر لها هذا الشيء سوى ان يكون هذا هو عتاب المحب الوفي الذي يفاخر بوفاءه قبل أن يفتخر بشجاعته في بقيّة الأبيات مبتدئاً بقوله:
يا عَبلُ كَم مِن غَمرَةٍ باشَرتُها  ** بِالنَفسِ ما كادَت لَعَمرُكِ تَنجَلي
و الى آخر القصيدة من أوصاف الشجاعة و الحرب. و لكني اكتفي بالبيتين السابقة، لألغي كل ما عَرَض عليّ من حالة الذهول و خيبة الأمل التي زرعها أحد الرواه الـ”قوقليّون” مما دفعني للتفكير في تعبير “روح التاريخ” و الذي لا أعتقد بأني تطرقت له حرفيا، فأنا لا أعلم تحديدا ماهيّة هذه الكلمة سوى هذا الاحساس الذي الممتلئ إحتراما لكل رمز، هذا الشعور الذي جعلني راضٍ بإكتفاء الرواة بالجانب الجميل من تاريخ الرموز، و ترك سوئاتهم متوارية خلف صفحات الكتب -لمن أراد البحث عنها- و إبقاءهم على الصورة الجميلة في عيون و عقول العامّة. 
مخرج: “أبك هذا عنتر عنتر، لو إنه غيره كان أشوى”
سلطان بن بندر
@S_BNDER