كتاب سبر

ماذا بعد اليمن؟.. ولماذا هذا الغضب الإيراني من الإمارات!؟

نعيش اللحظات التارخية بعد قرار مجلس الأمن الدولي المؤيد للمشروع الخليجي في اليمن، وهي تعكس قرب تحقيق النصر، متمثلا بهروب علي عبدالله صالح، وانكفاء ميليشيات حليفه الحوثي، وبالتالي التطلع لما بعد ذلك من مواقف وترتيبات في المنطقة، لعل من بينها موضوع الجزر الإماراتية المحتلة!.. 
والتمنع عن استباق ما سيحدث مع هذا الملف، لا يحول دون ملاحظة الاندهاش الإيراني من موقف دولة الإمارات العربية المتحدة.. وكأن إيران تريد من أبوظبي أن تنفصل عن موقف شركائها في مجلس التعاون الخليجي.. وهذا أمر غريب فعلا!
ويلزم قبل الولوج في الموضوع العودة إلى ما أبدته إيران تجاه الربيع العربي، خصوصا وأنه وقع في زمن انفرادها بالساحة الشرق أوسطية، فلا لاعب غيرها يتصدر المشهد، لنجدها تتعامل بحذر وتقلب في المواقف يحسدها عليه المراقب، فإيران أيدت قلب حسني مبارك في مصر لكنها فقدت عقلها على بشار الأسد في سورية.. وتخيلت أن البحرين القريبة هي لقمة سائغة كما العراق، ولكن كان واضحا أنه يزعجها تحول مصر لدولة شعار إسلامي تنافسها على المنطقة، ولذلك أيدت الانقلاب على محمد مرسي..وها هي اليوم تنقلب على مصر السيسي!..
وقد رقصت إيران طربا على تنحي على عبدالله صالح في اليمن عن السلطة، وفرحت للتركيبة التي أرادت ميراثه مع أن من يتصدرها هم جماعة الإخوان المسلمين.
لماذا؟
لأن إيران تعتقد أن هذه التركيبة سوف تمثل قلقا إضافيا للسعودية التي تعاني من اختلال العراق وسورية وتتدخل في البحرين المجاورة للقطيف..
ويدخل هذا في نطاق الجهل المطبق الذي تعانيه إيران تجاه أحكام التاريخ والجغرافية، فليس ممكنا لنظام غير متماه مع السعودية الاستقرار باليمن، ولا يمكن لعراق غير عربي الوجه والسياسة أن يستقر أو يعيش في أمان، تماما كما أنه لا يمكن لحاضرة الأمويين سورية أن تصبح دولة شيعية.. تماما كما لا يمكن لجزيرة صغيرة بخاصرة السعودية (البحرين) لم تصبح في أوج مجد الساسانيين جزء من فارس أن تصبح اليوم جزءً من فضاء إيران المتمدد!
وقد حدث أن الخليج لم يكن متحمسا للتركيبة التي ورثت علي عبدالله صالح.. وجرى ذلك في الفترة التي ازدهر فيها الموقف المناهض لجماعة الإخوان.. على أن خطر الإخوان – كبديل يحل محل ما هو قائم برغبة وإرادة الأميركيين أو لقوتهم الذاتية – انتهى.. وبالتالي كان لا بد من العودة لهم!
وكان صعبا على الخليج إعادة صالح لدفة السلطة كما جرى في مصر أو تونس!.. فالرجل وقع اتفاق تنحي شهد عليه كل العالم وتعهد برعايته قادة الخليج، وكان معقولا ومقبولا ضخ بعض الحيوية في حزب صالح وجماعاته ونفوذه فهو يمثل الدولة العميقة في اليمن، ولكن الشعب كأغلبية كان يرفض عودته، ولهذا قيل ما قيل عن دعم خليجي لصالح ضمن ما هو قائم من ألعاب الترويج الإعلامي، لكن هل كان الخليج ومنه الإمارات يريدون فرض صالح بالقوة!؟
والواقع أن دعم صالح كان يمثل أحد أدوات عدم انفراد حزب الإصلاح بالساحة اليمنية، وهو حزب له تاريخ مع الخليج حيث كان صالح يتهمه بالتمول من الخليج، وبالتالي هي لعبة سياسية مشروعة للخليج وللقوى السياسية اليمنية ذاتها لأنه آن كان آن الأوان للانتهاء من عقد تاريخية انتهت صلاحيتها ومنها الحساسية السعودية – اليمنية التقليدية.
لكن الخليج أبلغ صالح بالقطع بأنه بأنه لا مجال لعودته بالطريقة التي يحسبها أو يريدها عبر القوة العسكرية كما جرى في مصر، لكن صالح كان له رأي آخر حيث اعتقد أن قاعدته الشعبية عادت كما كانت، ولهذا ظن أن سكوت الخليج على الحوثيين وإجراء محادثات معهم يبرر الحلف معهم، فالخليج وعلى رأسه السعودية يرحبون لا شك بقوة في اليمن تناهض القاعدة وداعش!.. والحوثي يتولى هذا، لكنه لا يفعل ذلك من أجل عيون الخليج!
هنا قدر صالح أن إحداث فوضى شاملة في اليمن ستجعل الناس يعودون إليه.. وقدّر أن الخليج سيتقبل انقلاب الحوثي على الترتيبات الانتقالية، فتقع الفوضى التي لن يقدر على لملمتها غير قوة الجيش الذي يملك صالح عليه النفوذ، فضلا عن القبائل التي سيؤمنها الخليج ويتولاها بالدعم، ففتح صالح مخازن الأسلحة ومؤسسات الدولة للحوثي وظنُّه أنه مجرد حصان طروادة يمتطيه حتى يصل إلى الهدف المنشود ثم يعود بعد ذلك لتحجيمهم!
لكن الحوثي كانت له أجندته الخاصة الموجهة من إيران.. وكان الشعور في إيران منخدعا بأن المنطقة سترفع على أنغام الاتفاق النووي الأعلام الإيرانية!
بلغت الخيلاء مداها عندما رأينا ناطقا إيرانيا معروقا طالما حاول التدثر برداء التعقل والخطاب المعتدل، ينفجر ليعبر عن نوع من تفكير غميق يجتاح إيران كلها، فانفعل المعلق محمد صادق الحسيني القريب من قيادة طهران وهو يقول لمحاورته في أحد الفضائيات: نعم نحن نملك المنطقة الآن!.. البحر الأحمر ومضيق باب المندب تحت سيطرتنا ومثله مضيق هرمز ورأس مسندم، وغزة لنا، والضاحية لنا وسورية والعراق معنا، ونحن الذين نحطم داعش ونحن من يحسب حسابنا العالم ونعم نحن من يقود اليمن وووو.. ألخ من أناشيد الهوس الثوري.
ثم رأينا الجماعة يطبقون النظرية على أرض الواقع!..
وفد حوثي في طهران يوقع اتفاقية للنقل الجوي بـ 27 رحلة جوية أسبوعيا بين صنعاء وطهران.. ثم تعلن إيران عن خططها بناء مصفاة للنفط في اليمن ومحطة كهرباء وأخرى لتحلية المياه.. وبرنامج طويل عريض من التعاون الثنائي بين حليفين!
هنا كان الأمر لا يحتمل الانتظار، فلم يعد الأمر أمر حوثي أو صالح أو قوى سياسية، وإنما هو اليمن الجدار الخلفي للسعودية وعمقها العميق الأهم، فكان لا بد من قرار حازم دون أي لبس.. فكانت عاصفة الحزم التي توشك على تحقيق النصر.. فماذا بعد العاصفة؟.. وأين سيكون النزال التالي؟..