أقلامهم

حسين العبدالله: الحكومة ستناضل لإحداث استقلال شكلي لا حقيقي للقضاء.

مرافعة : الحراك القضائي! 
بعد صدور حكم دائرة طلبات رجال القضاء بمحكمة التمييز يوم الخميس الماضي برفض دعوى البطلان المقامة من الحكومة لم يتبق أمام الحكومة سوى الالتزام بمنطوق الأحكام القضائية والعمل على تنفيذها حفاظا على ما تبقى لها من مصداقية بهذا الملف، وذلك لأنه سبق لها أن أعلنت عزمها على تنفيذ تلك الأحكام، لكنها سرعان ما تراجعت في وعودها، مقررة الطعن على الاحكام بدعوى أسمتها دعوى البطلان بهدف هدر تلك الأحكام.
وبعدما فشلت الحكومة في إفراغ الاحكام القضائية من محتواها، نجحت في كسب بعض الوقت من اجل التأخير في حسم هذا الملف بذريعة إقرار تلك المزايا التي حققتها الأحكام القضائية بقانون يتضمن كل تلك الضمانات، الا انها للاسف لم توفِّ ايضا، وللمرة الثانية، بوعودها بإحالة اية قوانين تتعلق باستقلال القضاء الى مجلس الامة، رغم اعلان وزيرها ان ذلك سيكون في الاول من ابريل الجاري، وها هو ابريل ينقضي ولم تحل الحكومة أياً من تلك القوانين، وأتمنى ألا ينقضي مايو هو الآخر، ودور الانعقاد من بعده، دون أن تفي الحكومة بوعودها التي قطعتها.
وبعيدا عن أحكام الامتيازات المالية التي أوردتها الاحكام وتحاول الحكومة افراغها بمشروع القانون الذي تنوي تقديمه الى مجلس الامة رغم عدم اطلاع مجلس القضاء على نصوصه كاملا، الا أن القضية التي يتعين الانتباه إليها هي ضرورة أن يشمل المشروع الحكومي التطور الطبيعي الذي يجب ان ينهض به القضاء الكويتي، فالاصلاح ليس مجرد مزايا مالية او خدمات لرجال واعضاء القضاء والنيابة فقط، بل يتعين أن ينتقل هذا القانون من القضاء كمرفق في نظر السلطتين التشريعية والتنفيذية الى سلطة حقيقية يناط بها ادارة شؤونها بنفسها، بحيث يضمن لها الاستقلال الكامل اداريا وماليا ويبعد أيادي السلطتين عن كل وسائل الاشراف والتبعية، كما تتمتع تلك السلطات باستقلالية تامة.
أعلم أن الحكومة ستناضل من أجل السطوة على القرار الاداري والمالي على القضاء وعلى إحداث استقلال شكلي لا حقيقي في مشروعها المزمع تقديمه، ولكن مثل هذا التغيير الشكلي لن يُحدث برأيي أي تطور حقيقي في القضاء، ولن يعالج أساس المشكلة بهيمنة الحكومة على القرارين الاداري والمالي في القضاء، بما يجعل منه بنظر الحكومة إدارة تابعة لوزارة العدل، وهو ما يتعارض مع النظام الدستوري القائم الذي يقسم السلطات في الدولة الى ثلاث، بما يكفل لكل منها استقلالية كاملة من دون تدخل اي منها في عمل الأخرى.
أخيرا فإن المطالبات بإصلاح الأوضاع الداخلية للسلطة القضائية ليست وليدة اليوم، بل نشأت قبل 15 عاما وتطورت على مدى تلك الاعوام الى ان أنشأت اليوم حراكا قضائيا داخليا يعمل على تطوير القضاء والنهوض بأجهزته وتقديم المشاريع التي تعمل على نقله من حاله الى حال أفضل، وما الدعاوى القضائية التي أقامها القضاة ونجحوا في الحصول على أحكامها الا أول طرق إرغام الحكومة على تحقيق مطالبهم، فهل تعي الحكومة ذلك؟!