كتاب سبر

سعود الفيصل رجل تاريخ.. بمرتبة ملك

كان الفيصل مذهولا من نكتة دموية يطرب لها صدام!.. من بين أمراء قلة احتفظ بحياة عائلية على النمط العالمي.. دون تعدد.
هناك المحنك في كل شيء، وهو ما يأتي كل شخص مكث في صنعة أو مهنة أو معمة أو دورا أمدا طويلا حتى طبع عليه اسمه.. لينطبق هذا على الكثيرين، فإذا جئنا لمسيرة شخص مثل الأمير سعود الفيصل وجب علينا أن نقول بأنه الأحنك وليس المحنك فقط.
يوم 29 إبريل 2015 أنهى الأمير سعود الفيصل بن عبد العزيز آل سعود، بتركه منصبه كوزير لخارجية المملكة العربية السعودية، مسيرة حافلة بدأت منذ عام 1975 ليكون أحد أبرز وزراء الخارجية على مستوى العالم، حاملا عبئا حمله من قبله أبوه الملك فيصل، فالخارجية السعودية تولاها شخصان قبل الفيصل من بينهما مواطن واحد هو إبراهيم بن عبد الله السويل (مدة أقل من عامين)، وملك، ليخلفهما فيها بعد حقبة الفيصل مواطن من خارج الأسرة الحاكمة، هو الوزير عادل الجبير، الذي استله الملك سلمان من بين الطبقة العالمية للمسؤولين السعوديين ممن خرجوا على المعايير المحلية التقليدية في ممارسة المهام.
وسعود الفيصل كان أكبر من منصب وزير خارجية، وكان اضطلاعه بالمهمة كراسم للسياسة الخارجية، لتحقق “أجل شراكة إستراتيجية للإسهام بتشكيل نظام دولي يقوم على العدل ومبادئ إنسانية مشتركة لتحقيق عالم آمن ومزدهر”، والفيصل بمغادرته هذه الدفة يرتقي ليكون رجل تاريخ بمرتبة ملك، إذا لا يمكن لأي بعده أن يحذف من الذاكرة صورته، وسمته الخاص، والذي غطى بجدارة المكانة العالمية التقليدية للمملكة، ليكون من بين ذلك أحد الشهود العظام على العصر العربي المعاصر بتحولاته وتجلياته، وهمومه وشجونه وشؤونه، مما لا يستقيم معه أن نعتبر الكرسي مضيفا للفيصل بقدر ما كان الفيصل مضيفا للمنصب ومقامه.
ولد سعود الفيصل عام 1940 وهو يتقن سبع لغات بالإضافة إلى العربية، منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية والأسبانية والعبرية، وهو من أوائل الأكاديميين الخريجين من الولايات المتحدة من بين أبناء الأسرة الحاكمة السعودية، فقد حصل على شهادة البكالوريوس بالاقتصاد من جامعة برنستون (يوجيرسي) عام 1963، ليلتحق بوزارة البترول حيث تدرج حتى صار وكيلها عام 1971، حتى صدر المرسوم الملكي بتعيينه في منصب ظل والده يشغله حتى بعد ارتقائه الدفة الأولى في البلاد ليدير الوزارة معه وهو (الملك) وزير بمرتبة (وزير دولة) للشؤون الخارجية، حيث تولى الحقيبة كل من عمر السقاف، ونزار بن عبيد مدني.
ولا يمكن في عجالة اختزال مسيرة سياسي في حجم سعود الفيصل، لكنه واكب مراحل المحاور العربية، ثم مرحلة الحد الأدنى من التضامن العربي وحتى حقبة الربيع العربي مرورا بمرحلة التمزق التي شهدها النظام العربي بعد غزو الكويت.. ليتوج عمله بموقفه المعروف المتشدد من إيران، وليكون أحد الدافعين للتدخل الجاري في اليمن لصد عملية التمدد الإيرانية هناك.
في الفترة التي سبقت غزو الكويت عرفنا الأمير سعود كمسق لاجتماع جدة بين الكويت والعراق، فقد زار الفيصل بغداد والكويت، وكان مذهولا بشخصيته الهادئة من حكاية مستجدة عليه في شخصية صدام حسين! وقد استمعنا إليه يرويها وهو يضحك في دهشة عجيبة.
يقول الفيصل بأن صدام أخبره بأنه إن شاء أن يضحك فإنه يستمع لقصة من وزير الإعلام لطيف نصيف جاسم حول فعل القبيلة بأحد أبنائها الفارين من الحرب مع إيران!
وقد روى الفيصل القصة التي تجعل صدام يضحك لحد القهقهة بينما الفيصل لا يرى فيها أية جانب مضحك.. فلطيف جاسم يصف كيف أن القبيلة ألقت بالفار من الحرب بالنهر فإذا به يعرف السباحة فما كان منهم إلا وربطوه بسلاسل من حديد فرموه بالنهر فغرق بالحال!
والفيصل من الأمراء القلة الذين لم يعددوا بالزواج، وكان مألوفا للمختصين من متابعيه من أهل الصحافة السياسية العربية، أن يعرفوا أنه يمضي إجازة خاصة مع الأسرة، أو في وقت الغداء أو العشاء معهم، ويوميا، فكان بهذا النمط من الشخصية مختلفا عن بقية الأمراء والشيوخ ممن لم يملكوا حياة أسرية مقفلة على زوجة واحدة أو أبناء أشقاء من أم واحدة فقط.
وللفيصل ثلاثة أبناء هم محمد وخالد وفهد، وله كريمتان هما الأميرة هيفاء زوجة الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، والأميرة لما زوجة المهندس الكويتي فهد بن عايد العنزي، والأميرة ريم.