كتاب سبر

صناعة الوهم وبيع الأحلام للشعوب.. من عبدالناصر حتى خامنئي

أنتمي إلى شعب لب مآسيه ناجم عن مصانع للأحلام ومطاردة خيوط الأوهام غير الواقعية، مع أن الواقع يفسر قضية فلسطين بوضوح شديد بوصفها تنازعا على أرض مقدسة باركها الله، بل ويفصل الله سبحانه مسارها بكل دقة في سورة الإسراء!
فالصراع على أرض فلسطين لا خارجها، وحسب ما ينبؤنا ميزان القوى القائم منذ عام 1948 على الأرض وما قبله أيام الاستعمار المباشر، فإنه ليس لأحد قدرة على هزيمة اليهود!
وعندما يصف الله حال اليهود بأنهم (أكثر نفيرا) فقوله الحق جل شأنه، فلم يكن العرب في أي حرب من أجل فلسطين أكثر من اليهود لا كما ولا نوعا، والأغلب أن أغلب العرب يجهل أن عدد جيش اليهود في حرب عام 1948 كان أكبر من كل الجيوش العربية مجتمعة!.. هذا فضلا عن امتلاكه (جيش اليهود) الدبابات والطائرات.
وفي حرب 1956 التي جرت مع العسكري الجاهل جمال عبدالناصر كان اليهود أيضا كما يقول الله (أكثر نفيرا)!.. فجاءت معهم جيوش فرنسا وبريطانيا.. وخلال أيام احتل اليهود والذين (نفروا) معهم غزة وسيناء، ولم يخرجوا منها إلا باتفاق هدنة نزع سلاحها وجعلها خاضعة لإشراف الأمم المتحدة!
ولم تنسحب إسرائيل من سيناء وغزة إلا بضمان حصولها على قدرة نووية عملت عليها بمثايرة، حتى أصبح لديها الآن على الأقل أكثر من 200 رأس نووي، هي كافية (وزيادة)!.. لتدمر مجمل العواصم العربية والإسلامية مع مدنها الكبرى، وذلك في حال حدوث خطر يهدد الدولة اليهودية عبر اجتياح عسكري من الخارج.
ما الذي نفهمه من هذا الوضع؟
نفهم أن كل الكذابين والأفاقين وصانعي الأحلام والأوهام من خارج فلسطين لا يقدرون على مس شعرة واحدة في رأس إسرائيل، وأن كل شأنهم معها على اختلاف مشاربهم وحقبهم، ليس غير مزايدات فارغة لا تقدم ولا تؤخر، لأنها خاضعة لميزان عسكري غير قابل للتبديل والتعديل.. إطلاقا.
هل يعني هذا الاستسلام أو الدعوة إليه!؟.. وأن نتقبل دولة اليهود بيننا ونتعايش معها ونربي شعوبنا على اليأس، وأنه لا جدوى من مواجهة وقتال ومناجزة اليهود!؟
بل السؤال أخطر:
هل سورة الإسراء والعياذ بالله كاذبة!؟.. وأن الوعد الحق باستعادة (المسجد) المبارك من الأرض المباركة، التي هي جزء من الأرض
المقدسة (أرض إبراهيم من الفرات إلى النيل) -وعد- غير صحيح؟.. وأن الله لن ينجزه الله كوعد حق أنزله على نبيه وهو محاصر في شعاب مكة المكرمة قبل الهجرة!؟
معاذ الله!
فالنص صريح بقوله تعالى “إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ (الثانية) لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا” الإسراء 7
فكيف يتم ذلك؟
إنه الصراع على الأرض مع هؤلاء اليهود، فشرط زوالهم هو ظلمهم لدرجة التمادي الفظيع، وهذا سيتحقق حيث تمتد يد اليهود على السكان، ولهذا رأينا الله يهيء البشائر لإتمام وعده، فاليهود أخفقوا في تفريغ فلسطين (من عباد الله)، والإحصاءات تقدم حالة إعجازية مدهشة، فهم الآن سبعة ملايين نسمة (مع استبعاد فلسطينيي الأردن ولبنان وسورية.. وسواهم)، يقطنون الضفة وغزة والقدس وأراضي 1948 بمساحة عمران أقل من مساحة لبنان، في تزاحم وجود ومصير مع اليهود لا يمكن معه حل ولا تسوية أو تقسيم!.. لندرك جوهر القضية ونحن نرى بنيامين نتنياهو مصرا على (يهودية) الدولة فتؤيده أميركا التي ترفض أي تخصيص ديني أو قومي حصري لنفسها أو لسواها.. وندرك الجوهر عبر هذا الانفعال العجيب ضد وجود جزء مسلح من فلسطين نفسها (غزة) بغض النظر عن موازين القوى، ذلك أن قطعة سلاح صغيرة في أرض النزاع خير من القنابل النووية خارجها، فالذي يحرك منصة نووية أو حتى يبادر إلى ضرب إسرائيل بقنبلة نووية سيفني معها الفلسطينيين، وسينال من اليهود ردا مقابلا، ويحوز على الدمار الشامل، لكن هل يمكن لإسرائيل قصف الفلسطينية بالسلاح النووي؟.. إن أبسط خبير سيقول لك بأن هذا غير ممكن لأنه يعني دمار إسرائيل نفسها.
إنه الصراع على الأرض.. على الأرض وحدها.
بالمقابل تعال لنستعرض ما فعله العرب ونرى أثر حروب الخارج على فلسطين.. ولنواجه الحقائق باحترام لها!
بعد عام 1948 لم يحارب أي جيش عربي من أجل فلسطين!.. وليس في هذا أي تجنٍّ أو انتقاص لقدر أحد.
وإليك جردة الحساب:
عام 1956 كانت حرب عبدالناصر التي حشر فيها مصر ونفسه بسبب تأميم قناة السويس، وليس لرغبته بتحرير فلسطين.. وفي حرب عام 1967 جر جمال عبدالناصر معه الأردن وسورية للحرب لا من أجل تحرير فلسطين أيضا، بل لأنه طرد القوات الدولية من سيناء وأغلق مضائق تيران.
وفي كل مرة لم تكن الحرب من أجل فلسطين، بينما فلسطين تخسر أراضيها ووجودها!.. ففي الأولى خسر ناصر غزة ثم استعادها مع شبه جزيرة سيناء مجردة من السلاح، وفي المرة الثانية خسرنا القدس والضفة الغربية والجولان وغزة وفوقها سيناء، فيما دهماء الأمة ترقص بالشوارع معجبة بالبطل جمال عبدالناصر!
وإذا انتقلنا لأنتاف المواجهات المزعومة من أجل فلسطين، فإن إسرائيل دكت مفاعل صدام حسين دون أن يكلف نفسه مجرد الرد عليها ولو بقصف بسيط، أما حزب الله الإيراني كـ (مثال) فلم يحارب إسرائيل من الجنوب، وإسرائيل ليس لها أي مطالبات بأراض لبنانية، وهي احتلت بيروت لطرد الفلسطينيين من لبنان، وبعد أن أكملت مهمتها بإنجاز عملية الطرد، فركب الفلسطينيون بواخرهم إلى اليمن وتونس وغيرها، باشرت فورا الانسحاب فكانت فرصة ظهور لحزب الله، والغرض ليس غير إدخال إيران في لعبة (قميص عثمان الفلسطيني).. أولا: ضمن تجميع أوراق نظامها ضد الغرب لمواجهة محاولات إضعافه (نظامها) وتدجينه، وثانيا ضمن الهوجه الطائفية الإيرانية التي أرادت بيع شيعة العالم حلم أنها صاحبة قرار أمة الإسلام بينما إيران مع كل شيعة العالم أقل من 5% من المسلمين.
مع ذلك ركبت إيران موجة الوهم الكاذب وعرضت نفسها كولية لأمر المسلمين، فصور قائدها الخاص (والمفترض ألا تعني أحد خارج إيران لأنه ببساطة ليس وليا عليها ولا يملك حق إدارتها) –صوره اسم الله عليه- ترفع حيثما تواجد مأخوذون بحلمه، ليشبه هذا وهم من رفعوا صور صدام حسين كزعيم للأمة في كل مكان خارج العراق، مثلما كما كانت صور جمال عبدالناصر ترفع في كل مكان من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر!
إنه الوهم الذي يكذب على النفس قبل أن يكذب على الآخرين، بل هو حصان طروادة الذي تصدر فيه الخيبة والمشاكل الداخلية استدراجا لتصفيق الخارج، وإلا فلماذا رفعت صور صدام في الأردن والكويت والمغرب.. ألخ؟
هل يحكمها؟
هل يديرها؟
ولماذا ترفع صور خامنئي في الضاحية الجنوبية من بيروت، وصنعاء ودمشق وبغداد، وأخيرا تكريت!؟ وتصير تعاليمه دستورا لأتباعه، فما شأنه وما علاقته بالموضوع!؟
إنها صناعة الوهم، وانتفاخ مكابرة غبية لكل مستمنٍ للشعبية خارج أرضه بحجة البطولة من أجل فلسطين، بينما الحقيقة تصرخ بعدم وجود صلة بفلسطين، فهؤلاء والأمثلة فيهم يكذبون، فعبدالناصر فور هزيمته قذف الشعارات وراء ظهره، وفي تمثيلية تنحيه عرض التنازل لأميركي الهوى.. زكريا محيي الدين!
وصدام بعد أن احتل الكويت وضمها تذكر فلسطين.. فلما شنوا عليه الحرب لانتزاع الكويت من يده، أطلق صواريخه على إسرائيل بعملية استجداء مكشوفة للتعاطف، وحوثة بالأمس يغرد بأن موكب عبدالملك الحوثة سيجتاز السعودية والأردن وسورية ثم يلتقي حبيبه حسن نصرالله ليذهبا سويا إلى القدس!.. والواقع أن الحوثة الحثالة هذا يقطن في كهف أو سرداب، ومشغول بقصف عدن وصعدة وترويع اهل صنعاء، وحبيب قلبه حسن نصرالله غارق في القلمون واللاذقية وإدلب!
وفي ساعة الخطر يفاوض كل هؤلاء الأميركيين ويتفاهمون معهم ويقدمون لهم التنازلات، فصدام عرض بعد احتلال الكويت على العالم مجانا دون ثمن، والخميني لما سلخ الجيش العراقي من يده ربع إيران اشترى السلاح من إسرائيل!.. وعبدالناصر توسل روكفلر لحد الإهانة من أجل تمويل السد العالي، وحتى القذافي بطل الوحدة العربية الشاملة أرسل (حجاجا) ليبيين للقدس كي يرفع الحصار الأميركي عنه، والأمثلة بشعر الرأس عن مجمل بائعي الحلم الكاذب.
وأختم ببعض جماعتنا مع تقدير تضحياتهم وأعني (حماس)، وقبلها أنوه بتقدير تضحيات حزب الله في الجنوب، فجماعتنا يتخيلون أنهم حرروا غزة بالقوة، والحقيقة أن إسرائيل كانت تحلم يوميا بترك غزة، بل إن إسحق رابين قال يوما بأنه يتمنى لو يصحو غدا ليجد غزة وقد زالت من الوجود!..
إنها حجة الضعفاء والعاجزين والمتعنترين، والتمني لا ينفع مع هؤلاء، ففلسطين لن يحررها غير شعبها على أرضها، مع مساندة من هؤلاء بصمت، فإن لم يقدروا فإن الواحد يسأل ربه أن يحلوا عن “السما تبع فلسطين”.