أقلامهم

المطلوب التصدي للفكر التكفيري والتطرف الطائفي

أبلغ رد على جريمة التفجير الذي وقع في مسجد الإمام الصادق، كانت المشاعر الجارفة التي أبدتها جميع مكونات الشعب الكويتي، أو غالبيتهم العظمى، باستنكار الجريمة البشعة، ومواساة أهالي الشهداء والجرحى، شفاهم الله. كان مشهداً رائعاً طوابير آلاف المعزين، الذين تدفقوا على مسجد السوق الكبير وقاعة اليوسفي، وكذلك طوابير المتبرعين بالدم في مركز الدم والوافدين إلى مستشفى الأميري، للاطمئنان على الجرحى.
أمل الجميع أن تتعمَّق هذه المشاعر وتتحوَّل إلى قناعات راسخة تختزن في العقول والأفئدة، لتعزيز التلاحم في وحدة وطنية إطارها التعددية وقبول الآخر واحترام الرأي والمعتقد، وأن يتجلى ذلك في سلوكنا الديني والثقافي والاجتماعي والسياسي، وذلك مسؤولية أصحاب العقول النيرة والفكر الرصين والنوايا الصادقة والإرادة الصلبة… إنها مسألة كفاح ونضال طويل، للوصول إلى تعزيز شعار الوحدة الوطنية، وتحويله إلى واقع ملموس، لمواجهة التحديات التي تستهدف تمزيقها، وخصوصاً ونحن نمرُّ بأحرج الظروف في الإقليم العربي عموماً، وفي الجزيرة العربية والخليج خصوصاً.
يطالب الجميع باتخاذ أقصى الإجراءات الأمنية، لكشف أوكار الفتنة وعناصر التكفير والإرهاب والتخريب، والضرب بيد من حديد على كل مَن يعرّض أمن البلد للخطر وينال من وحدة أبنائه الوطنية.
بالتأكيد، إن كل الإجراءات والاحترازات الأمنية مطلوبة، لكن ذلك لا يكفي، فالإجراءات الأمنية تلاحق الفاعلين، بعد ارتكاب جرائمهم، أو كشف المخططات للأعمال الإجرامية قبل أن تقع.
هذا كله مطلوب وبأقصى درجات الحزم والعزم، لكن الأكثر جدوى والأنجع فاعلية، هو معالجة التربة التي تنتج ثمار التكفير والإرهاب، ومعالجة المناخ الفكري والثقافي، الذي يشحن شباب وشابات البلد بجرعات فكرية وثقافية خاطئة وخطيرة، متسلحة بوشاح الدين، تكون نتيجتها الأفعال والمواقف المستنكرة، وما لم يتم اقتلاع الجذور التي تنبت الظواهر الشاذة، فستبقى أعراض المرض متفشية بيننا، وإن خفتت فترة فستعود إلى الانتعاش لاحقاً.
الثقافة والأفكار التي تنتج الإرهاب واسعة الانتشار في مجتمعاتنا، وخصوصاً في الجزيرة العربية والخليج، فهي موجودة في مناهجنا التعليمية وفي أعلامنا المرئي والمسموع والمقروء والمطبوع، حكومياً أو خاصاً، وفي المساجد والجمعيات المُشهرة، والجماعات الدينية المتطرفة غير المشهرة، وفي السلطة، سواء بتحالفاتها مع هذه الجماعات، أو بتراخيها في اتخاذ الإجراءات الحازمة، في ما يقع من مخالفات، بل وتعديات أمنية.
فتيان وفتيات البلد معرَّضون للاختطاف الفكري من قِبل هذه التيارات وتعرُّضهم لشحن عقولهم بأفكار خاطئة تحت شعار الدين.
ظاهرة الجمعيات الدينية
ظاهرة الجمعيات الدينية انتعشت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وتطوَّر الفكر المتشدد، عندما رفع شعار الجهاد في أفغانستان، وتوجَّه المجاهدون العرب للقتال ضد الروس، مفضلين ذلك على الكفاح ضد العدو الصهيوني… كان قادة هذه الحملات والمروجون لها من أقطاب الإخوان المسلمين والجماعات السلفية، بقيادة عبدالله عزام، ولاحقا بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.
وبعد خروج الروس من أفغانستان استمر القتال بين الفرقاء الأفغان، وما زال، وتأطر كذلك في تنظيمات، مثل «طالبان» ثم «القاعدة».
 فقد عاد الكثير منهم إلى البلدان العربية، محملين بهذا الفكر، ليمارسوا العنف والإرهاب في هذه المجتمعات، إلى أن وصلنا اليوم إلى الفرق الجهادية المحلية، كـ«النصرة» و»بوكو حرام»… وأخيراً «داعش»، لتمارس أقسى درجات الإجرام والفكر التكفيري بأبشع صوره، التي تجلَّت في قطع رقاب الأبرياء، مواطنين وأجانب، (من صحافيين ومتطوعين في العمل الإغاثي)، كما لم يتورَّعوا عن ممارسة الانحطاط الأخلاقي، بسبي النساء، والمتاجرة بهن في أسواق نخاسة.  
الجماعات الإسلامية في الكويت
في الكويت، توسَّعت الجمعيات والجماعات الإسلامية، حاملة شعار الجهاد في أفغانستان، واستقطبت قطاعات واسعة من الشباب، وصار لها أفرع ومراكز في كل مناطق الكويت.
في أواخر عام 1999 قدَّم المرحوم سامي المنيس سؤالاً إلى وزير الشؤون عن فروع الجمعيات الدينية المنتشرة في البلاد، وجاءت الإجابة، بأن الجمعيات الدينية لها 51 فرعاً ولجنة في معظم مناطق الكويت تحت مسميات مختلفة ولها مقار، بعضها أقيمت على أملاك الدولة، وبعضها الآخر مؤجر، تمارس أنشطة متعددة، مثل لجان جمع الزكاة، وعددها 26 لجنة، توفر لها مصادر تمويلية كبيرة، ولجان العناية بالنشء الإسلامي والدعوة والإرشاد ولجان العمل الاجتماعي ولجان إدارة وبناء المساجد.
قد لا تكون أنشطة هذه الجمعيات وفروعها تنشر الفكر التكفيري وتبثه مباشرة، لكنها تهيئ الأرضية والتربة الخصبة التي يتغذى منها وينشأ فكر التطرف، وتثمر في نهاية الأمر عناصر تمارس الإرهاب، تحت شعار التصدي لأعداء الإسلام الذين يجري تصنيفهم وفق مواصفات فكر هذه الجماعات، كمذاهب معادية لأهل السُّنة والجماعة، أو ديانة أخرى غير الإسلام، أو أفراد أجانب أو أشخاص عرب مسلمين، باعتبار إسلامهم غير مكتمل أو علماني أو ملحد خارج عن الملة، كما حدث مع د. أحمد البغدادي أو الأديب نجيب محفوظ والمفكر نصر حامد أبوزيد أو فرج فودة، الذي اغتيل على يدها.
وإلى جانب الجمعيات، هناك جماعات غير مُشهرة، تجمع الفتيان، وتدعوهم إلى رحلات في المزارع أو الجواخير، فيها كل وسائل التسلية والأنشطة الرياضية، من ملاعب وحمامات سباحة، وبعد اللعب في النهار تنعقد في المساء حلقات شحن الأدمغة بالأفكار المتطرفة، لتكون ثمرة ذلك عناصر مهيأة للانخراط في العمل الجهادي، الذي وصل إلى ذروته بالانخراط في صفوف «داعش» أو «النصرة» أو أخواتهما المحلية، كـ»أسود الجزيرة»، التي يقضي عدد من أفرادها في سجون الكويت، لإدانتهم بتخزين السلاح واعتدائهم على شخصيات أجنبية.
لاجتثاث جذور الإرهاب ينبغي تطهير التربة الفكرية والثقافية التي تنتج بذوره، وألا يقتصر الأمر فقط على معالجة نتائجه عندما تكون أحداثاً وأفعالاً وعمليات إجرامية، مثل حادث التفجير في مسجد الإمام الصادق، أو ما حصل في مسجدي القديح والعنود في السعودية، فقد نقبض على أفراد وينالهم العقاب بالسجن، وغير ذلك، ولكن التربة التي أفرزتهم سوف تنتج غيرهم، وهذا هو التحدي الواجب مواجهته اليوم، مهما كانت الصعوبات.  
ولعل ما جاء في تغريدة وليد الطبطبائي وتصريحات النائب عبدالرحمن الجيران، ما يدلُّ على مدى تغلغل فكر التطرف والتعصب الأعمى والانحياز الطائفي… فهل يصح إطلاق مثل هذا الكلام في ظروف أقسى فاجعة واجهها البلد؟!