آراؤهم

الرأس يَشِيبْ من فِكرْ ابتهال الخطيب

كمقدمة أشيد بأخلاق المحترمة ابتهال الخطيب فهي تناقش بأدب وتحاور برُقِيْ، وتتبنى فكرة أُطْلِقْ عليها (اختلاف بلا خلاف)، وإن كنت أرى أنها تحملّ فكر خطير على مجتمعنا الإسلامي، لكن الحقّ يجب أن يقال {إعدلوا هو أقرب للتقوى}.
كنت قد دخلت في حِوارْ من خلال برنامج تويتر معها، ولا يعطيك قلة أحرُفِهِ بتوصيل أفكارك بالشكل المطلوب ثم إنَّ التحاور السريع به والمباشر لا يسمح لك باستحضار كل ما تريد ان تقوله بكلّ رويّة، لذلك تبقى كتابة المقال لها وزنها وقيمتها على مرّ الأزمنة.
وعنوان مقالتي اهتداءً بالآية عند قوله تعالى عن يوم القيامة: {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} تعبيراً عن  شدة هذا اليوم، وهذا هو تصورّي عن ما تحمله المعنية في المقال من فكر.
وأقول في البداية إنني تفاجأت بإقتباسها جزء من جملة قلتها لها وهي مابين القوسين: (أنا لا أريد فرض ديني على أحد، لكن من يعيش في بلد إسلامي عليه احترام مبادئنا وآدابنا)، وقامت بإنشاء مقال كامل فقط للردّ على هذه الجملة، دون ان تخبرني بردّها هذا، وأنا أتساءل هنا إن كانت هي تدّعي سعيها لإقامة حقوق الإنسان والدعوة للدولة المدنية، والكلام المصفصف والجميل، فلماذا لا تطبقه على نفسها أولاً؟
ألا يجدر بها أن تقدّر حقّ الإنسان  مغموراً كان أم مشهوراً، وتخبره بمقالها حتى يتسنى له الردّ والدفاع عن فكرته، أو حتى لو أننا سلمّنا أنها تريد أن تعالج خلل معيّن -حسب زعمها- أفلا يجدُر بها أن تهتم بالبشر جميعهم بما فيهم العبد الفقير، وليس الهدف فقط بأن يكتب الشخص مقالًا لكي يظهر به أمام الناس لهدف الظهور، فهنا تكمن المصداقية، المصداقية الحقيقية أن يكون الإنسان أمام الأضواء أو في الغرف المغلقة هو نفسه لا يتغيّر، المصداقية أن تهتم بجميع الناس المعروف منهم وغير المعروف، كبيرهم وصغيرهم، غنيّهم وفقيرهم،
فأنت تحمّل همّ الإنسانية جمعاء والفرد جزء من المجتمع.
وهنا في مقالي هذا أرجو أن لا يتم التركيز على شخص ابتهال، إنما أن أشخصّ فِكِرّ،  دون اعتبار للشخصانية.. فأبدأ وأقول:-
ابتهال سَحَرَها الاختيال بالقدرة الفائقة على الكتابة باللغة العربية الفصحى والتلاعب بالمفردات والجمل وفوق ذلك تلبستها الأفكار الغربية بالدعوى للعلمانية والدعوى المدنية، إن فصل الدين عن الحياة  بدأت تاريخياً لرفض أوروبا لسيطرة الكنيسة اللاهوتية واستبدادها في القرون الوسطى في أوروبا، ومضت هذه الدعوة للعلمانية الى العرب وتلقفوها مع مرور الزمان دون فقههم بأصلها التاريخي، لذلك عندما نعرف تاريخ الشيء، نستطيع تحليله بشكل جيّد، الكنيسة استبدت بدين محرّف فدفع ذلك أوروبا الى تبنّي فكرة إقصاء الدين وتصبح الدولة لادينية.
إن نقل هذه الأفكار الى بلادنا الإسلامية فيه ظلم للإسلام من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول:
إن الإسلام لا شأن له بأخطاء كنيسة تحمل دين محرّف وطغت على مدّعي التديّن فيه من القساوسة الظلم والجَور والقول على الله بغير علم فحكمت بغير ما انزل الله، فلذلك نقول {لاتزر وازرة وزر اخرى} هم يخطئون ويتحمّل الإسلام النتائج ويتم إقصائه.
الوجه الثاني:
أن الإسلام لم يكنّ ابداً دين يضادّ المدنية او حتى يضادّ التقدّم او العِلم، وقد دافع جوزيف ستيغليتس-حائز على جائزة نوبل للسلام- عن النظام المصرفي الإسلامي، معتبراً أنه خطوة للأمام لتفادي أزمات في المستقبل.
ويقول المؤرخ الإنجليزي (ويلز): 
كل دين لا يسير مع المدنية في كل أطوارها فاضرب به عرض الحائط ، وإن الدين الحق الذي وجدته يسير مع المدنية أينما سارت هو الإسلام، ومن أراد الدليل فليقرأ القرآن وما فيه من نظرات ومناهج علمية ، وقوانين اجتماعية ، فهو كتاب دين وعلم واجتماع وخلق وتاريخ، وإذا طُلبَ مني أن أحدّد معنى الإسلام فإني أحدده بهذه العبارة ” الإسلام هو المدنية”( الاسلام والمبادىء المستوردة – الدكتور عبد المنعم النمر).
وتقول المستشرقة زيغريد هونكه في كتابها (شمس الله تسطع على الغرب): (إنه الإسلام الذي جعل من القبائل المتفككة شعباً عظيماً، آخت بينه العقيدة ، وبهذا الروح القوي الفتي شق العرب طريقهم بعزيمة قوية تحت قيادة حكيمة وضع أساسها الرسول بنفسه أو ليس في هذا الإيمان تفسير لذلك البعث الجديد ؟ والواقع أن روجر بيكون أو جاليليو أو دافنشي ليسوا هم الذين أسسوا البحث العلمي، إنما السباقون في هذا المضمار كانوا من العرب الذين لجأوا -بعكس زملائهم المسيحيين- في بحثهم إلى العقل والملاحظة والتحقيق والبحث المستقيم ، لقد قدّم المسلمون أثمن هدية وهي طريقة البحث العلمي الصحيح التي مهدت أمام الغرب طريقه لمعرفة أسرار الطبيعة وتسلطه عليها اليوم ، وإن كل مستشفى وكل مركز علمي في أيامنا هذه إنما هي في حقيقة الأمر نُصب تذكارية للعبقرية العربية . وقد بقي الطب الغربي قروناً عديدة نسخة ممسوخة عن الطب العربي ، وعلى الرغم من إحراق كتب ابن سينا في مدينة بازل بحركة مسيحية عدائية ، فإن كتب التراث العربي لم تختف من رفوف المكتبات وجيوب الأطباء ، بل ظلت محفوظة يسرق منها السارقون ما شاء لهم أن يسرقوا)
ويقول العالم الغربب بريفولت: (ما من ناحية من نواحي الازدهار الأوروبي إلا يمكن إرجاع أصلها إلى مؤثرات الثقافة الإسلامية بصورة قاطعة)
ويقول المفكّر الغربي فايس: (لسنا نبالغ إذ قلنا إن العصر العلمي الحديث الذي نعيش فيه ، لم يُدشّن في مدن أوروبا ، ولكن في المراكز الإسلامية في دمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة)
لذلك نجد العلماء الغربيين يُنصفون الإسلام ويرونه منهج حياة ، أما أبناء جلدتنا فهم لاتكاد تفتىء أسواطهم جلداً في الإسلام، والمشكلة كما هو معروف لكل متثبّت ومُنصِفْ وباحث بتجرّد وبجدّ وإجتهاد لاتكمن في الإسلام، إنما المشكلة الحقيقية فينا نحن المسلمين نشوّه صورة الإسلام فنحن مابين نارَين، إما مشوّه لصورة الإسلام وينفّرّ الناس منه وإما جاهل بالإسلام فيُريد إخراجه من أمور حياتنا من الباب الواسع
الوجه الثالث:
الإسلام خاتم الأديان السماوية يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ}، ويقول تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، والإسلام منهج حياة متكامل كما قدّمنا.
ولذلك لو سألنا عدة أسئلة:
السؤال الأول: ما الحكمة من خلق الجنّ والإنس؟ يقول الله سبحانه وتعالى : {وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون}، فإذا كان الهدف من خلق الخليقة عبادة الله، أفلا يجدر بنا أن ننشغل بما خِلقنا لأجله.
السؤال الثاني: ماذا يمثّل القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بالنسبة لكِ؟ حسبما نلاحظ من إطروحاتها وفكرها فلايعدوا هذين الشيئين إلا كُتب دينية تاريخية يتم ركنها في المكتبة للإطلاع والإستئناس فقط من باب الثقافة العامة ! ولايوجد أي إعتبار للهدف الذي من أجله أُرسِلَ الرسل ، وأُنزلت الكتب السماوية
وكأننا خارج حدود هذا الكون
وكأننا خُلِقنا للدنيا نحكّم فيها عقولنا في وضع الحلول مع أن في القرآن والسنة الحلّ لأي مشكلة
إما حلّ مباشر أو بالإستنباط
لذلك المشكلة ليست في إبتهال فقط إنما في ك كلّ من يحمل هذه الأفكار
فهم لم يستوعبوا نقاط مهمه أوردها في الآتي:
1- هم لم يعلموا أن القرآن والسنة منهج حياة وليس فقط أمور دينية بحته ، لذلك نجد أن إبتهال أو أي من مدّعي الحريات لايجدون غضاضة في مثليي الجنس أو الشواذ ، مع أن الله حرّم (اللواط) وعاقب قوم لوط بأشدّ على هذا الفعل المنكر ، وقال فيهم:
{وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربّك وماهي من الظالمين ببعيد}
لذلك قوله تعالى وماهي من الظالمين ببعيد هو تهديد لكل من يرتكب هذا الفعل المحرّم بالعقوبة
ثم يأتينا من يسمّيها حقوق؟
الحق يجب ان يوزن بميزان الشريعة ، فنحن لسنا بهائم لم ينزل عليها رسل ولا كتب تبيّن لهم الحق من الباطل الحلال من الحرام
وقال تعالى عن قوم لوط بعد أن عاقبهم:
{وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم}
وهذه الآية فيها من الوعيد والتهديد مافيها
لذلك المسلم لايمكن له أن يحكم على أمر قد حكم الله عليه
الله سبحانه يحرّم ويعاقب ثم يأتينا من يحلّلّ المثليين جنسياً والشواذ ويجيز ذلك بإعتباره حقاً
ولو وزناه بميزان الشريعة لوجدنا لايمثلّ حقاً يجب حمايته ، إنما باطلاً يجب التصدّي له
لكنها الموازين المختله لكل من اخذ افكار الغرب صحيحها وسقيمها دون أن ينخلها نخلاً
عندما قلت لإبتهال إنك تحكّمين عقلك وتتركين النقل الصحيح وأقصد به (القرآن والسنة) التي لها حكم فاصل على الأمور فقد قال الله تعالى {مافرّطنا في الكتاب من شيء}
ضحكت من هذا الكلام وقالت بكلّ سخرية  :
(هل تريدني إذاً أن أُفكّر من أطراف قدمي)
فقط أنظروا إلى مستوى التفكير والنظرة القاصرة للأمور
فلتعلم إبتهال وكلّ من يحمل أفكارها أنهم يضيّعون أوقاتهم ، وأنهم في غفلة فالوقت يمضي والدنيا ستفنى بكل مافيها ، وسيحاسب كل من نحّى الدين جانباً وأعتبر لاعلاقة لها بكل شؤون الحياة
فلم يأبهوا بالحكمة من خلقهم ، ولم يلتفتوا للقرآن والسنة ويجعلوها مصدر للحكم على الأمور
وايضاً الأخذ بسنة الخلفاء الراشديين المهديين
لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشديين المهديين من بعدي عضوّا عليها بالنواجذ
لذلك إن كنّا نحكم على جميع الأمور التي تواجهنا في الحياة بعقولنا فقط ستختلف الرؤى والأفكار وتتصادم لأنه لاخطام لها أو بوصلة
فكلّ إنسان له فكر وفكرة وليس كل الناس سيقبلون برأي فرد واحد ، ويصبح الناس في فوضى فلا ميزان لأعمالهم وأقوالهم
أما إن حكّمنا الشريعة كما أمرنا ربّنا فسيجتمع الناس كلهم على أمر جامع واحد
2- فلا تقتدوا بالشيطان فهو أول من ترك أمر الله وشريعته وحكّم عقله وهواه ، فقد أمره الله بالسجود لآدم سجود تكريم ، فرفض لأن (عقله) يقول له بأن المخلوق من النار أفضل من المخلوق من طين
فسيأتينا من يقول هذا يعني أن الإسلام يُلغِي العقل؟
فهذا زعم مردود عليه بالآتي:
أولاً :
الإسلام غالباً مايذكر الحكمة من الأحكام وهذه من أروع صورّ العناية بالعقل
ثانياً:
أمر الله سبحانه وتعالى بالتفكّر والتدبر ، مثال قوله تعالى: {أفلا يَعقلون}
ثالثاً:
وصف الإسلام المعطلين لعقولهم بأنهم كالأنعام بل هم أضلّ، فلذلك كان العقل قاصر بذاته عن الوصول للهدى بغير توجيه من الرسالة بواسطة الأنبياء والكتب بالتالي لايؤاخذ الله الناس إلا بعد الرسالة والتبليغ لقوله تعالى: { وما كنّا معذبين حتى نبعث رسولا }
3- لذلك الإنسان العاقل هو الذي عرف الحكمة من خلقه وأن هذه الدنيا ستفنى بكل ملذاتها وأنها دار إختبار وليس قرار وسنزور القبور ومن ورائنا يوم القيامة والحساب وأن هناك إما جنة أو نار !
ولا ريب أن العاقل الذي يفكّر بعقله وليس (بأطراف قدميه) سيحكّم الشريعه في كلّ أموره تعبداً لله وإيماناً بأنه لاحكم أفضل من حكمه سبحانه وتعالى فالإنسان في هذه الدنيا إمّا أن يكون حاكماً او محكوماً إن كان حاكماً طبّق الشريعة الإسلامية على محكوميه وإن كان محكوماً طبق الشريعة في علاقته مع نفسه او مع الأفراد.
فقبل أن يأكل يقول هل هذا حلال أم حرام؟ وقبل أن يلبس يقول ماذا يجوز لي أن ألبس ومالايجوز وقبل ان يحكم على أي أمر يتم الزعم أنه حق او حرية ، ينظر فيما قالته الشريعة الإسلامية بشأنه إن كان حقاً أم باطلاً أما إذا حكمت عقلك فما تراه أنت حقاً فقد يراه غيرك باطلاً والشريعة ما أحلت إلا طيباً وما حرّمت إلا خبيث أو مضرّ أو لافائدة منه.
فلذلك قبل أن أحكم على المثليين جنسياً والشواذ أنظر ماذا قال الله فيهم ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يمكن للعقل البشري مهما بلغ من عبقرية وذكاء وفهم أن يعرف مخاطر شيء معيّن وعواقبه إلا الذي خلقه وصوّره، فلذلك نجد أن الأمور التي حرمّها الله يتبين خطورتها بعد فترة من الزمن للناس، وهكذا يحكّم العبد شريعة الله في كلّ أُموره.
في الختام أشير إلى مسألة مهمه لابد الوقوف عندها:
فحديثك عن أنه : (لا مكان لدوله دينية ، فلاتوجد دولة متدينة تصلّي وتصوم وتحجّ)
فقولك هذا هو المدعاة للسخرية ، فبالتأكيد لاتوجد دولة تصلّي وتصوم وتحجّ لكن التاريخ يذكر لنا أنه توجد دولة دينية إسلامية هي المدينة المنورة كان لها حاكماً هو رسول الله صلى الله عليه وسلم حكّم فيها شرع الله وعاش الصحابة فيها بعدل الإسلام وقد إستمرت المدينة المنورة دولة إسلامية تقوم على  عدل الإسلام ربع قرن بدأها القائد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبوبكر رضي الله عنه ثم عمر رضي الله عنه.
حتى أنها في عهد الفاروق إتسعت رقعة الدولة الإسلامية لتصل إلى مشارق الأرض ومغاربها وكانت الشعوب تحت ولاية الإسلام خليط بين المسلمين وغيرهم ، ولم يتم هضمّ حق غير المسلمين ولم تحصل كل تخوّفاتك التي ترعبين الناس منها.
فلذلك ختاماً أقول إن المشكلة ليست في الإسلام فهو صالح لكل زمان ومكان ويقوم على العدل لكن المشكلة في صنفين ، صنف لم يفهم الشريعة ، وصنف جاهل بالشريعة.
المغرّد / الفوائد المنتقاة
@thkralelthakren